Wednesday 2 April 2008

فـلســفـة الـفـنـــون



بكلمة واحدة، الإنسان ناقص يسعى للكمال، و ناقص لا تعني أنه غير تام الخلقة، بل تعني أنه في وجوده محتاج مطلق، يلعب به الزمان، و يقيده المكان، تقتله الشرقة و تنتنه العرقة و تؤذيه البقة. وهو مع ذلك قابل للتكامل و ساعٍ الى سد مختلف حاجاته.

حاجات الإنسان تختلف مع اختلاف المكان و الزمان، لم يكن الانسان يحس بالحاجة لامتلاك سيارة فخمة في الزمن السحيق، كما أنه لم يعد في حاجة الى ستر عورته بالجلود غير المغزولة. لذلك فالمناهج و التيارات و الديانات الناجحة لا ينبغي لها أن تضع اتباعها في قالب محدود مكانيا و زمانيا، فلنفرض أن دينا تم اختراعه في كندا الباردة، سيفشل إذا فرض الأصواف و المعاطف لباسا دائما للبشر!

لذلك، مخطئ من يعتقد أن دينا سماويا كالإسلام يضع قيودا للباس و للشكل العام، إن دينا منزلا من الله سبحانه و تعالى، و مستمر لآلاف السنين يجب أن يراعي المتغيرات الزمانية و المكانية، فلا أصدق من يعتقد بإسلامية لباس أو لغة أو اسم. فلا أعطي أهمية للزي الديني –مع اختلافه- توازي أهمية الدين.

أصل الحجاب ديني، لكن مظهره يختلف، يقال بأن نساء عصر النبوة كن يُظهرن آذانهن، أصل الاستياك ديني، لكن المسواك قد يتحول يوماً الى فرشاة أسنان و معجون.

يراعي الدين حاجة الانسان لسد نواقصه، و لطالما كان هذا الانسان في حاجة دائمة..
في حاجة الى الجمال و الكمال، في حاجة الى الصدق و الإخلاص، في حاجة الى الحب و القوة و الشجاعة..

و بالإصغاء الى صوت التاريخ السحيق، سنسمع فنون الأجيال القديمة تصدح معلنة عن حاجاتها المفقودة، و كلما توغلنا عمقا في التاريخ، أيقنا أن الفن هو أنطق قاصٍ له. و بالنظر الى امكانيات الانسان القديم العلمية و الميكانيكية، سندرك الجهد الذي بذلته تلك الاجيال صنعا لفنونها.

ذلك لأن الفن هو النافذة التي ينظر الانسان من خلالها الى عالم الكمال و الجمال و سد الحاجات، باختصار، إنه نافذة الانسان الى الجنة، أي جنة كانت، على اختلاف المذاهب و المناهج و الأديان. تلك النافذة التي فسرت لنا مدى النقص الذي كان يشعر به الانسان، و مدى الحاجة لسد ذلك النقص. تلك الفنون كانت بمجملها للأمم غير المتدينة بأديان الله تعالى، لأن الدين الإلهي هو البوابة –لا النافذة- التي ينطلق من خلالها الانسان الى كمال الروح و جمال المعاني، و ينظر الانسان في عالمه الأخروي الى النماذج المثلى للطهارة و الجمال و الاخلاص و القوة في الله تعالى و فيمن أرسلهم.

أما غير المتدينين بأديان الله، فقد أثروا الدنيا بجمال فنونهم، و بقت فنونهم الجميلة تزهو بين أبحر الدم في الحروب التي خلدت الى جانب الفنون، و غالبا ما تكون الفنون مرتبطة بالمعابد و الأساطير، ذلك لارتباط الفن و الأديان بالحاجة لتلبية النواقص التي يشعر بها الانسان، ارتباط الانسان بالإله يلهم الانسان شعورا بالقوة و المنعة، حتى من قبائح الافعال و الماديات و الشكليات، فكانت الفنون رافدا أساسياً لإضفاء الصورة الجميلة التي يمثلها قاضي الحاجات –الإله- للإنسان. عدا بهرجة الحضارات لإثبات قدرتها.

و من هنا ندرك أن الكمالات المادية التي مثلتها فنون الحضارات السابقة، و التي تعد مظاهرا لعظمتها، إنما هي تعبير إنساني رفيع، و صرخة ألم تبوح بها الانسانية عن حاجتها للطهارة و للمثل الأخلاقية و للكمال الإنساني الفعلي. فحالما يدرك الإنسان الطريق الأمثل لسد تلك الحاجات توقف عن البوح فنيا و ماديا عن حاجته، لأنه حينها سيكون في الطريق لسدها.

1 comment:

عبثي said...
This comment has been removed by the author.
Website counter