Showing posts with label الحضارة. Show all posts
Showing posts with label الحضارة. Show all posts

Monday, 3 August 2009

القروية و الانفتاح


لو تخيلنا قرية صغيرة اقتصادها مغلق، يعيش أهلها على مواردهم الخاصة، لا يستوردون و لا يصدرون من و الى خارج أسوار القرية، يتبادل أهلها منتجاتهم المحلية ليغطوا احتياجاتهم العامة، عندها قد يعيشون حياة متعبة و و مرهقة، لكنها حياة سعيدة لا تتطلب الكثير من الاحتياجات.

لكن ما إن يذهب أحد تجار القرية ليجلب بضائعا من الخارج، حتى يطلع أهلها على احتياجات لم يكونوا قد فطنوا اليها، إذ يبدؤون بلبس أحذية من الجلد الايطالي بدلا من النعال، و يأكلون الصمون الفرنسي بدلا من خبز التنور، و ينشون الغترة بدلا من تركها مريضة و منهكة، و يكوون ثيابهم بعد غسلها بالغسالة التي لم يكونوا يعرفونها، و يأكلون الآيس كريم البارد بعد أن لم يكونوا يعرفون من البرد غير قرصة الشتاء.

و بعد أن تعرفوا على تلك البضائع و أخذوا باستخدامها، صارت بالنسبة لهم حاجات أساسية لا يمكنهم التنازل عنها، هذا اذا لم يبحثوا عن المزيد، لهذا صارت حياتهم أسلس و أسهل و أسرع، و صار بإمكان شباب القرية استثمار وقتهم بشكل أفضل لانتاج أكثر و أسرع.

كل هذا يحدث إذا اخترق أحد أهل القرية جدرها و حيطانها و تعرف على بضائع القرى و المدن المجاورة، و إلا لكان أسمى هدف لشاب في القرية هو حصوله على وجبة لذيذة في نهاية اليوم.

كلما ازدادت افق الانسان اتساعا كلما تعرف على حاجات جديدة أكبر و أفضل من حاجاته القديمة، و هنا شبهت القرية بمجتمعاتنا الصغيرة، فقد تكون تلك القرية دولة كالكويت مثلا، أو تيارا أو مذهبا أو عائلة.

كثير ممن أعرف لم يطلعوا على ما عند غيرهم، فأهدافهم لا تتجاوز أقصى ما يشاهدون في حياتهم، و قلما يشاهدون أمثلة ترقى لكي تكون أهدافا، الكثير من الناس مقتنع بما لديه أو راض بالأهداف التي رسمها لحياته و ذلك لأنه لم يشاهد غيره كيف رسم الأهداف و حققها.

كثيرون يعتقدون أن الكويت جميلة، لأنهم لم يشاهدواما وصل اليه الآخرون، كثيرون يعتقدون أن الكويتيين حلوين، لكن بالنظر الى غيرهم نجدهم في قمة الجكر، كثيرون يعتقدون أن نسبة السنة 85 في المئة من الشعب، و كثيرون يعتقدون أن الشيعة اكثر من 30 في المئة من الشعب، كثيرون يعتقدون أنهم و كبراءهم أكثر الناس علما و تدينا، كثيرون يعتقدون أنهم أكثر خبرة و ذكاء و حكمة.. كلهم لم يشاهدوا ما عند غيرهم.

القناعة كنز فيما يتعلق بالمادة، لكن الذين يركضون كحصان السباق، تغطى جوانب نظره لكي لا يلتفت و ينظر ما حوله بلا اختيار منه، أهدافه رسمتها طبيعة حياته التي لم يطلع على غيرها.


التمدن و التحضر الفكري يكون بالخبرة و بالانفتاح على الآخرين، لذلك أجد أن أصحاب الخبرة و أصحاب التجارب أكثر تقبلا للحوار و أفضل انفتاحا و فهما للآخرين، و بالتأكيد أكثر نجاحا أرقى أهدافا.

Wednesday, 24 September 2008

دولة مؤقتة


نعيش في دولة مؤقتة، التخطيط و الاعداد للمستقبل يجب أن يبدأ من الثقافة، أي تنمية ثقافة الانسان الذي يعيش في هذا الوطن، الانسان في الكويت يخطط لمستقبله الخاص، و هذا يتطلب القبول الشخصي لكسر القوانين، فالفرد الذي يعيش ذاته يختلف كلياً عن الفرد المسؤول الذي يعيش المسؤولية و الذي يضع على عاتقه تنمية بلده.

اذا طرحنا تساؤلنا على النمط الاول من الناس، اي الذين يعيشون حياة الفرد المنقطعة عن المجتمع، هل تقبل ان يصدر قانون دستوري يخول لك ان تفعل ما تشاء و تكسر أي قانون تريد؟

هل تقبل أن تكون الوساطات منحصرة فيك وحدك؟ هل تقبل أن يسير الجميع وفق القانون ما عداك؟ بحيث يكون الجميع راضين؟

النمط الأول سيقبل، بينما الثاني لن يقبل، المسؤول عن المجتمع لن يقبل أن يكسر القانون حتى لو كان هذا في صالحه، الكثيرون يرون أن الحصول على الشهادة يعني الأهلية للحصول على الوظيفة، فما الشهادة الى مرحلة من مراحل التوظيف و كسب العيش، هذا هو التفكير الفردي.

أما التفكير المجتمعي فهو (الحصول على الشهادة من أجل الحصول على العلم)، فإن تنمية البلد تكون بتمنية موارده البشرية، فالمستوى الأفضل للبشر يعني مستوى أفضل للمجتمع و نهاية سعيدة للبلد.

يبدأ التفكير المجتمعي بالإرداة الصلبة لتحمل المسؤولية، و تحمل المسؤولية تبدأ من التطوير الذاتي من جميع النواحي، ثم الاحترام للقانون، و تغيير الثقافة الاستهلاكية في الناس، فحتى لو صارت فواتير الكهرباء و الماء و البنزين اختيارية ينبغي أن نبادر جميعا لدفعها.

هل هذا النمط من التفكير يعيش بيننا؟ لو كان فينا ما يكفي من هذا الأسلوب لما صرنا نعيش في دولة مؤقتة تترنح إثر رياح التغييرات فيما حولنا، بحيث صار الجميع يخطط لمشروع احتياطي للمستقبل يحفظ كرامته بعد السقوط الكبير، خافلين أن حتى الدين يحث على التفكير المجتمعي، فقيمة المجتمع تغطي قيمة الفرد، و في الأزمات يركب الجميع سفينة واحدة، ولا يفرق الغرباء بين فئاتنا بل يرونا سواء، لذا كان المجتمع أفضل حماية للفرد، فصار من الجهل التضحية بالمجتمع في سبيل الفرد
.

Thursday, 7 August 2008

عندما تمتلك القوة




لو امتلك أحدنا مقاليد سلطة أقوى دولة في العالم، و لو انصاعت له مقادير أمور الدول الأخرى، هل سيمضي في سياسته وفقاً لمصالحه فقط؟ أم وفقاً لانسانيته؟ هل يراعي الأقليات و المستضعفين في العالم؟

إن الأمر لا يعدو أن يكون خياليا، و جميع الفروض التي فيه خيالية، لكننا قد نعيش تطبيقاتها يومياً، عندما يساعد أحدنا شخصاً في الشارع، أو زميلا في العمل أو الدراسة، أو مسناً بحاجة لأن يصعد درجاً، ألا تنبع هذه الحالة النبيلة من إنسانية خالصة لا تسعى لنيل أي فائدة غير الفائدة الروحية و النفسية؟

لقد أشبع العلماء هذا الموضوع بحثاً، و هو على المدى البعيد يؤثر في مسارات الدول و سياساتها تجاه شعوبها و اتجاه غيرها، مثلا، أجمل الجميع على ان امريكا ليست مؤسسة خيرية غزت العراق فقط لتخليص الشعوب المظلومة من نير الطاغية صدام، فهي لن تنفض يديها من غبار الحرب و من بعد كل المصاريف الهائلة التي دفعتها و ترحل الى قارتها سعيدة، بل لابد لها من تحقيق مصالح أكبر من المجهود الذي بذلته، إن لم تكن الإيرادات أكثر من المصروفات فستخرج خاسرة.

الجميع يقول هذا عن أمريكا و بكل صراحة، بل من السذاجة الاعتقاد بعكسه، و لربما قال الامريكان هذا و لا بأس به حسب رؤية العالم الآن، لكن لو افترضنا العراق دولة لا تؤثر بأي شكل من الأشكال علينا، و نحن دولة عظمى قوية و غنية، و صدام مازال يذيق شعبه القتل و الهوان، و نحن نملك القدرة على إزالته، و إزالته لن تعيد لنا نفعاً من أي ناحية ظاهرية على حسب موازين السياسة و الاقتصاد الحالي، لكنها ستكلفنا مجهوداً كبيرا و أموالاً كبيرة، فهل سنقدم على إزالته استجابة لنداء الانسانية؟

في الحالات الفردية قد لا نمتنع عن مساعدة الضعفاء، لكن للحالة الاجتماعية وجه آخر، فالمجتمع لا يتحرك كما يتحرك الفرد، و للمجتمع سايكولوجيته الخاصة به التي تختلف عن الفرد، علم النفس الاجتماعي باب مستقل.

للفرد روح يرضيها و يريحها مد العون للضعفاء، تشعر حينذاك بالطمأنينة و النشوة الإنسانية، لكن للمجتمع روح تختلف، روح المجتمع لا ترضى و لا ترتاح بهذه السهولة، إذ يجب تذكيرها بإنسانيتها دوما، و إلا نست، فهي سريعة النسيان، الأفراد يتذكرون تفاصيل الأحداث سريعا، أما المجتمعات فتنسى أهم الأحداث التي هزتها بعد فترة وجيزة.

المجتمعات أقدر على تحريك الأفراد، بينما الأفراد يحتاجون لطاقات كبيرة لتحريك المجتمعات، لذلك صار المجتمع و الناس محور الدين، الوعي الاجتماعي و التناسق الاجتماعي في الفكر سيؤدي الى قوة تبعث في الأفراد فيصبحون أكثر مطاوعة و أسرع حركة في المشاريع الكبيرة، لا سيما التحررية و الثورية و الدينية، لذلك كان خلق الوعي الانساني في المجتمع هو أفضل طريقة لشفاء المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان، لا سيما مشكلة البنغال في الكويت.

الجدل الآن سيكون جدل البيضة و الدجاجة، أيهما أول، لتحريك المجتمع نحو الوعي الانساني هل نبدأ بالأفراد؟ لكن الوعي الاجتماعي هو الذي يحرك الأفراد! على كل حال الطلائع المتقدمة سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اقتصادية أو دينية هي المسؤولة، و المسؤولية التي تقع على عاتقها كبيرة و مضنية، حتى المجتمعات الكبيرة تعول كثيرا على القيادات الواعية و الشخصيات المسؤولة، لكن كل ما ينبغي على تلك الشخصيات هو الإيمان بالعمل من أجل الناس، العمل مع الجماهير و من أجل الجماهير بلا حدود.

Friday, 2 May 2008

الإعـلام الموجـه


تحدثت في موضوع سابق عن النفخ الإعلامي، حيث تقوم بعض المؤسسات الإعلامية بالنفخ في الشخصيات أو حتى الأحداث الفارغة حتى تكون منها كياناً ضخماً، فتقوم صحيفة النهار مثلا بادعاء أن قائمة أنور بوخمسين في الدائرة الأولى هي الأوفر حظاً من غير أي دليل، و ذلك على اعتبار أن بوخمسين يمتلك الصحيفة، أو تقوم جريدة الوطن مثلا بتضخيم بعض الأحداث التي تريد بها إشغال الرأي العام الكويتي و إلهاءه عن بعض الأمور التي تخصها.

على أي حال فإن لكل شخص حق الترشيح و حق الإعلان عن ترشيحه و إمكانياته الشخصية بالوسائل المتاحة، و لكل مؤسسة إعلامية ذائقتها الخاصة بالأشخاص و الأحداث، و لكل مصالحه التي تلبيها له الوسائل الإعلامية التي تقع تحت يديه، و من هنا جاء الإعلام الموجه.

أرى في حقيقة الأمر أن الإعلام المفرط في الحياد العام إعلام ممل، كما أن الإعلام الموجه يحمل رسالة يريد توصيلها بغض النظر عن فحوى هذه الرسالة، كون الإعلام لا يملك رسالة سيجعله مجرد أداة للتسلية أو لجني الأموال، أما إن كنا نصبو للمجتمع الحر الساعي نحو التكامل، المنفتح بالآراء و الزاخر بالتعايش فإننا حينئذ سنتقبل وجود الإعلام الموجه و ندعو له بالخير.

كل ذلك أراه مشروعاً لأي مؤسسة إعلامية، بشرط أن لا تتعدى شروط المهنية الإعلامية، فلا تنشر الأكاذيب أو تغير و تخلط الحقائق، كما يجب أن نرفض جرح المشاعر و التجريح غير المنطقي، و يعد النفخ الإعلامي الذي تحدثت عنه سابقا أحد صور الكذب و البهرجة الساذجة، و في هذا نعول على الرأي العام في تمييز الغث من السمين.

قد يكون جميع ما سبق ضربا من المثالية، حيث أن الواقع يقول بأن الوسائل الإعلامية تحتاج لرأس المال حتى تتمكن من الانتشار، و رأس المال الذي يمتلك الإعلام و لا يمتلك المهنية ولا الأخلاق لن تؤمَّن يديه على أي وسيلة إعلامية سواء كانت جريدة أو قناة، لذلك أضحت الوسائل الاعلامية المتاحة للجميع كالانترنت أرضاً خصبة للنشر، و لا يستبعد أن يصبح الانترنت هو الوسيلة الإعلامية الأكثر فعالية و الأقوى تأثيرا على المجتمعات، إن لم تكن كذلك بالفعل.

و لكي يكون الإعلام موجها بكل مهنية، فعلى جميع المؤسسات الإعلامية الى أن تكون حمالة لجميع الناس، أرضا مفتوحة تقبل ما يلقى إليها، و نرفض جميعاً أن يكون الاعلام موجها بمعنى أن يقوم أصحابه بنشر ما يحلو لهم، بل بمعنى أن يكون مفتوحاً لتطرح فيه جميع الآراء، فلا يكون الإعلام خبرياً إنما إعلام الرأي و الفكرة و الفكرة الأخرى، و لندع للأخبار قنواتها الأخرى.

Wednesday, 30 April 2008

المرأة نصف المجتمع


المرأة و بكل اختصار إنسان، كما أن الرجل إنسان فالمرأة إنسان، اختلافهما في الخصائص البدنية و العاطفية لا يعني بالضرورة اختلافهما في الحقوق و الواجبات الإنسانية، فالجنسين في الإنسانية متساويان، ولا أرى أي داعٍ للدعاوي المباشرة و المطالبات المتكررة للوقوف عند أهمية المرأة و دورها و ما إلى ذلك.

يكفي ان المرأة نصف المجتمع، بل قد تزيد، فنحن عندما نتحدث عن حقوق و واجبات المرأة فإننا نتحدث عن حقوق و واجبات نصف المجتمع، و إن لم يؤمن أحدنا بحقوق و واجبات للمرأة أو لم ير لها أثرا فمن الذي يعمل و من الذي يملك حقوقا و واجبات إذن؟

تارة نتحدث عن أقليات أو اثنيات، و تارة يختلف الأمر فنتحدث عن مجتمع، و نفهم المجتمع على أنه وحدة متناسقة تتحرك حركة موحدة، فالمرأة في مجتمع ما لا تمثل تياراً محدداً، و لا تمثل فكرا مخصصاً، و عندما يتحدث أحدهم عن وجود مستقل للمرأة أتساءل و هل للرجل وجود مستقل؟ هل يجمع الرجال فكر أو تيار أو توجه معين؟ و يبدو هذا التساؤل ساذجاً لسببين، الأول لغرابته عن الواقع المعاش، و الثاني لتهميش المرأة في بعض المجتمعات، فيظهر و كأن الرجال هم أصحاب الرأي و هم المحركون للمجتمعات، لذلك يعتقد أنهم أكثر عرضة للاختلاف فيما بينهم من النساء.

أنا لا أنكر و لا أستهين بنضال المرأة من أجل استكمال حقوقها في التاريخ و المجتمعات، لكن ينبغي مراجعة الطرح النسائي لموضوع النضال، و الذي يجعل المرأة كياناً مستقلا و كأنه إنسان من نوع آخر، نعم تختلف أدوار المرأة عن الرجل في الكثير من الأمور، لكن الفصل الإنساني غير وارد أبداً و لذلك أرفض ’الكوتا’ التي تعطي للمرأة مقاعد محددة في المجالس، و هذا الرأي كان أحد أسباب هذا الموضوع، إذ يجب أن تكون الكفاءة وحدها هي معيار وصول الشخص الى مراكز القرار سواء كان رجلا أو امرأة.

Thursday, 17 April 2008

فلسـفـة الـثروة





تعتبر الحالة المعيشية أهم عنصر من عناصر التمييز في المجتمعات، و الطبقية من أجلى فتائل الأزمات، و ما نرى من نعمة وافرة، إلا و حولها حق مضيع، حتى في الدول الفقيرة نجد فئات في تلك الدول تملك ما لا يمتلكه أغنياء دول تعد أفضل حالا.

كثيراً ما يكون تقييم الناس للناس على أساس الطبقة الإقتصادية، بل يكون هذا المعنى في العادة جل التقييم بين الناس. تتوجه القلوب باتجاه رؤوس الأموال، و في بعض الدول يكون التمييز الطبقي وفقا للفئة الاجتماعية علاوة على الفئة المادية أو الإقتصادية. لكن تبقى الطبقية المادية مناط الإختلاف و التمييز.

السؤال هو هل وجود التمييز الطبقي بين فئات المجتمع يعد مشكلة؟

التمييز بحد ذاته أمر لا مهرب منه، و اعني بالتمييز فعلية الاختلاف الطبقي على أرض الواقع و بالارقام والحسابات، إذ أن من الناس من هو مجتهد مثابر يعمل و يتعب من أجل التحصيل، و هنالك ’التمبل’ الخامل الذي لا يجتهد في التحصيل و المثابرة، كذلك الوراثة المادية لها دور رئيسي في التحصيل، هذه اختلافات فعلية موجودة في الواقع النظري، لكن ظهور التمييز الطبقي في الواقع العملي اليومي هو الذي يعبئ الشحنات المتنافرة بين طبقات المجتمع، وهو في ذات الوقت يملأ الكثيرين بالدعة و الانقياد خلف أصحاب رؤوس الأموال، و هذا ما اقتضته الرأسمالية.

إذابة الفوارق المادية تساعد على بلورة الشخصية لدى أفراد المجتمع بغض النظر عن المستوى المادي، و قد ذهبت الاشتراكية الى تكريس قوة الطبقات الكادحة العاملة على أنها أساس الانتاج و التحصيل المادي، و قد كانت لذاك المذهب تصادمات شديدة مع المناهج الأخلاقية و الإنسانية، بالإضافة الى أن فكرة شيوع الثروة و توزيعها انما نتجت تحت وطأة الطبقية و نير الطغيان المادي، فكانت ثورة تستغل التنافر بين الطبقات الغنية و الفقيرة، و هي بتلك الحال ظلمت المجتهدين و قتلت روح التحصيل و الإبداع.

إن جوهر الإختلاف يكمن في المنهج الأخلاقي و الوجودي للناس، فإذا كان الناس خائفين على شيء ما يملكونه من الضياع و التلف، و يخشون فقدان الاعتبارات المادية، و كان ديدن وجودهم التحصيل المادي، في هكذا أسلوب للحياة يحق للناس بذل الجهد المضني و تفجير المشاعر من أجل الحفاظ على الممتلكات الخاصة، و من أجل الحصول على المنصب المادي أو الابقاء عليه، بيد أن المنهج الأخلاقي سيتعارض في النهاية مع الطرح الطبقي و إظهار الفوارق المادية بشكلها المبهر.

لذا كان الواجب على أصحاب المنهج الأخلاقي الذي يقدر قيمة الإنسانية على اعتبار أنها مصدر الكمال و السعادة أن لا يعطي للفوارق المادية أكثر من قيمتها، و أن لا يخرجها خارج حدودها، إن الثروات تنتقل و تنتقل مصادرها من يد إلى أخرى، و الموت شاهد حي بيننا على حقيقة أن العوارض المادية لا تمت لقيمة الإنسان بأي صلة، لكن ما يحصل هو أن النفس البشرية أضحت تواقة للثروة لا لذاتها، و لكن لما تحمله تلك الثروة من أذرع سلطوية، فلا يحب أحد الذهب أو ورقة الدينار أو الأرض لأنها ذهب و دينار و أرض، إنما لما فيها من كمالات اخترعها البشر و ربطها شعوريا أو لا شعوريا بالسلطة و التحكم و الراحة و الحصول على أكبر قدر من السعادة و طرد أكبر قدر من التعاسة و الحزن.

ذلك الانقياد للثروة و المادة لم يكن ليأخذ هذا الحجم من الإهتمام عند الناس لو أنهم أدركوا معنى الكمال الإنساني، بدليل عارضية الاعتبارات المادية ندرك أن الثروة لا تعبر عن الكمال الإنساني، و بتجاربنا الشخصية أدركنا أن الأموال ليست المصدر الفعلي للسعادة و البعد عن الأحزان و التعاسة، فالقيمة الإنسانية أكبر من العوارض، لذلك لا ينبغي أن تعطي الثروات لأصحابها أي قيمة إنسانية إضافية.

إن تمركز رؤوس الأموال و وجودها عند فئات تسخر العمال لتشغيلها يؤدي بشكل أو بآخر الى بناء الهرم الطبقي، لكن إظهار التميز في الطبقات العليا سيؤدي إلى أن ’يتبيغ في الفقير فقره’، فيتصور أن سبب السعادة توفر الأموال، و عندما يريد الناس المحافظة على سعادتهم التي تهبها لهم ثرواتهم و طبقاتهم الاقتصادية فإنهم سيسحقون كل من تسول له نفسه ان ينال حصة من تلك الثروة، لأنه بذلك سينال حصة من السعادة التي لا يتنازل عنها الإنسان حتى وهو بكامل إنسانيته، لأن نيل السعادة هي الهدف الأساسي. لكن عدم ربط السعادة بالأموال سيريح بال الناس من الاندفاع نحو الثروة و المادة، و لا يبقي للإنسان شيئاً بالإمكان فقدانه غير كمالاته الانسانية التي هي تحت سيطرة الجميع.




يحكى أن تماراً كان يبيع تمره في سوق الكوفة، و لتنوع أصناف التمر و جودته قام بتفريق التمر الى ثلاثة أصناف طبقا للجودة، و أراد بذلك أن يبيع كل صنف بسعر معين وفقاً لجودته، فالتمر ذو الجودة العالية يباع بسعر عال، أما التمر ذو الجودة المنخضة فيباع بسعر منخفض، حينها جاءه الإمام علي عليه السلام فقام بخلط التمر و أمره بأن يبيع تمره وفقاً لمعدل الأسعار الثلاثة، قائلا: لماذا تفرق بين عباد الله في غذائهم؟ لذلك كان يلبس الخشن و يأكل اليابس، تكريس فكرة وحدة الإستهلاك ستذيب التفاوت الطبقي حتى في ظل وجوده، وهي فكرة ذات قيمة عالية اقتصاديا و إنسانياً.

Sunday, 13 April 2008

نحـن و الـقـهــوة



لم أكن أتوقع أن حب القهوة علامة مميزة في شخصيتي، الى أن قالها لي أحدهم، أشرب القهوة بشكل يومي، أحيانا اشرب كوبين من القهوة يوميا، أحدهما نهارا و الآخر مساء. شرب كوب من القهوة ينعش يومي و يرتب أوراقي، يحسسني أنني أملك يومي فأقضيه كيفما أشاء.

اختيار القهوة يوحي إلي نمط شخصية الإنسان، و أمزجة الناس قد تختلف باختلاف أيامهم، و أنا تختلف قهوتي على اختلاف مزاجي، و حالاتي، في بعض الأحيان لا أشرب القهوة، أو أشربها بأقل مقدار، و أظن الموكا هي المطلوبة في هذا الحال، في أحيان أخرى عندما يكون يومي سعيدا و مرتبا أشرب قهوة أقوى، اسبريسو، لكن في الأوقات العادية و أغلب أيام السنة يكون الاختيار المتوازن هو المرغوب، لعل اللاتيه أفضل اختيار.







اللاتيه يعد أفضل اختيار، و اكثرهم حكمة، إنه يمثل لي الشخصية المتوازنة، غير المشوبة بالمشاعر، قليل من الحليب و قليل من القهوة، الأفضل أن تكون القهوة مركزة و الحليب خفيفا. عندها ترتسم في سطح القهوة زخرفة جمالية تكمل روعة الإحساس الداخلي بجمال المنظر الخارجي.




و على الرغم من توافر مقاهي الستاربكس في جميع الأنحاء في العالم، إلا أنه يعد اختياري الأخير، فهو بالنسبة لي أسوء الاختيارات، أو هو الحل حيث لا أجد غيره، و لذلك أسباب.




ستاربكس قهوة عالمية، شعارها أحد مظاهر العولمة، يهيأ لي عند السفر، و للوهلة الأولى أن العرب أكثر البشر تأثرا بالعولمة، لانني أجد انجاذبهم شديدا لستاربكس و غيره من مشاهير القهوة، بما يعني لي أنهم منعدموا الثقافة، شعوب استهلاكية بحتة، حسنا، أنا لست ضد العولمة، بل معها، أتمنى أن تكون للعالم ثقافة واحدة و لغة واحدة و لباس واحد، فيتعامل الناس مع بعضهم على أساس إنسانيتهم، ولا يتعرضون للصدمات الثقافية و الفروقات في العادات و التقاليد، لكن ماهو دوري في إنشاء تلك الثقافة الموحدة؟

من حق أصحاب النفوذ و المال نشر ثقافتهم للآخرين، و استقطاب العالم إليهم، لكن من حقي الاختيار، يتوجب أن نختار ما يناسبنا، ليصنعوا ما يشاؤون، لكن لنختار نحن ما نشاء، و أطلق القاعدة هذه على جميع جوانب حياتنا، خصوصا الدينية و السياسية.

إن توجيه القيادات السياسية للقواعد و الجماهير أمر محبب، لأنه يجعل القرار السياسي مسؤولا لا ينبع من العواطف و المشاعر التي تقود الجماهير، أحياناً تكون القرارات السياسية غير المرغوبة عاطفيا للناس هي الحل لمشاكلنا، و العكس بالعكس، حيث تكون بعض المطالب الجماهيرية مبنية على العاطفة، فإذا اتخذت القيادات مواقفها بناء على مشاعر القواعد عندها ستفرز لنا مواقف كإسقاط القروض، مبنية على الأحاسيس و دغدغة الشعور.

إن الحالة المثالية هي أن تكون للطلائع الدينية و السياسية و الثقافية برامج عمل و أفكار محددة نابعة من العقل و الموقف السليم، بينما للجماهير حرية الاختيار و التفكير بما يتناسب مع الظروف الشخصية لكل فرد.

لهذا كان عدم اختياري لستاربكس، لأنني لا أريد أن أكون مسيرا بلاشعور، كما أن قهوتهم لا تستهويني أبدا، لأنهم لا يبذلون المجهود الذي تبذله المقاهي الأصغر حجما في جودة قهوتها، كوستا كوفي جيدة لكنها ليست بمستوى كولومبوس و التي تعد بالنسبة لي الأفضل في الكويت، خصوصا "الفريدريكوز"، قهوة كاريبو أفضل من ستاربكس و أسوء من كوستا، لكنهم جيدون في اختيار المكان.



المقهى المفضل بالنسبة لي هو "ميرلو"، إنها متكاملة بكل معنى الكلمة، للأسف لا تملك فروعا خارج استراليا، لكنها الأفضل حيث أنها تملك مصانع البن الخاصة بها "التوريفازيوني"، فهي تمثل المقهى المحلي الحريص على سمعته و المتخصص في فن القهوة. وهم دائما الأفضل في العروض و لهم تصاميمهم و ألوانهم الخاصة ، البنفسجي و الوردي و الازرق و لون الستيل، بالإضافة الى الخشب و القليل من اللون الأزرق.







القهوة الاسترالية الأخرى هي غلوريا جينز، وهي تتخذ سياسة التوسع، لكن لهذا السبب تبدو أقل اهتماما و حرصا على الجودة، فأصنفها بعد كولومبس. هكذا ينبغي أن يكون الإختيار لمذاهبنا السياسية و الدينية، من التجربة و الدراسة الشخصية و النظر عن قرب، لا أن تسيرنا القيادات وفق تشخيصاتها، ولا أن تسير الجماهير قياداتها وفق مشاعرها و أهوائها.

Wednesday, 2 April 2008

فـلســفـة الـفـنـــون



بكلمة واحدة، الإنسان ناقص يسعى للكمال، و ناقص لا تعني أنه غير تام الخلقة، بل تعني أنه في وجوده محتاج مطلق، يلعب به الزمان، و يقيده المكان، تقتله الشرقة و تنتنه العرقة و تؤذيه البقة. وهو مع ذلك قابل للتكامل و ساعٍ الى سد مختلف حاجاته.

حاجات الإنسان تختلف مع اختلاف المكان و الزمان، لم يكن الانسان يحس بالحاجة لامتلاك سيارة فخمة في الزمن السحيق، كما أنه لم يعد في حاجة الى ستر عورته بالجلود غير المغزولة. لذلك فالمناهج و التيارات و الديانات الناجحة لا ينبغي لها أن تضع اتباعها في قالب محدود مكانيا و زمانيا، فلنفرض أن دينا تم اختراعه في كندا الباردة، سيفشل إذا فرض الأصواف و المعاطف لباسا دائما للبشر!

لذلك، مخطئ من يعتقد أن دينا سماويا كالإسلام يضع قيودا للباس و للشكل العام، إن دينا منزلا من الله سبحانه و تعالى، و مستمر لآلاف السنين يجب أن يراعي المتغيرات الزمانية و المكانية، فلا أصدق من يعتقد بإسلامية لباس أو لغة أو اسم. فلا أعطي أهمية للزي الديني –مع اختلافه- توازي أهمية الدين.

أصل الحجاب ديني، لكن مظهره يختلف، يقال بأن نساء عصر النبوة كن يُظهرن آذانهن، أصل الاستياك ديني، لكن المسواك قد يتحول يوماً الى فرشاة أسنان و معجون.

يراعي الدين حاجة الانسان لسد نواقصه، و لطالما كان هذا الانسان في حاجة دائمة..
في حاجة الى الجمال و الكمال، في حاجة الى الصدق و الإخلاص، في حاجة الى الحب و القوة و الشجاعة..

و بالإصغاء الى صوت التاريخ السحيق، سنسمع فنون الأجيال القديمة تصدح معلنة عن حاجاتها المفقودة، و كلما توغلنا عمقا في التاريخ، أيقنا أن الفن هو أنطق قاصٍ له. و بالنظر الى امكانيات الانسان القديم العلمية و الميكانيكية، سندرك الجهد الذي بذلته تلك الاجيال صنعا لفنونها.

ذلك لأن الفن هو النافذة التي ينظر الانسان من خلالها الى عالم الكمال و الجمال و سد الحاجات، باختصار، إنه نافذة الانسان الى الجنة، أي جنة كانت، على اختلاف المذاهب و المناهج و الأديان. تلك النافذة التي فسرت لنا مدى النقص الذي كان يشعر به الانسان، و مدى الحاجة لسد ذلك النقص. تلك الفنون كانت بمجملها للأمم غير المتدينة بأديان الله تعالى، لأن الدين الإلهي هو البوابة –لا النافذة- التي ينطلق من خلالها الانسان الى كمال الروح و جمال المعاني، و ينظر الانسان في عالمه الأخروي الى النماذج المثلى للطهارة و الجمال و الاخلاص و القوة في الله تعالى و فيمن أرسلهم.

أما غير المتدينين بأديان الله، فقد أثروا الدنيا بجمال فنونهم، و بقت فنونهم الجميلة تزهو بين أبحر الدم في الحروب التي خلدت الى جانب الفنون، و غالبا ما تكون الفنون مرتبطة بالمعابد و الأساطير، ذلك لارتباط الفن و الأديان بالحاجة لتلبية النواقص التي يشعر بها الانسان، ارتباط الانسان بالإله يلهم الانسان شعورا بالقوة و المنعة، حتى من قبائح الافعال و الماديات و الشكليات، فكانت الفنون رافدا أساسياً لإضفاء الصورة الجميلة التي يمثلها قاضي الحاجات –الإله- للإنسان. عدا بهرجة الحضارات لإثبات قدرتها.

و من هنا ندرك أن الكمالات المادية التي مثلتها فنون الحضارات السابقة، و التي تعد مظاهرا لعظمتها، إنما هي تعبير إنساني رفيع، و صرخة ألم تبوح بها الانسانية عن حاجتها للطهارة و للمثل الأخلاقية و للكمال الإنساني الفعلي. فحالما يدرك الإنسان الطريق الأمثل لسد تلك الحاجات توقف عن البوح فنيا و ماديا عن حاجته، لأنه حينها سيكون في الطريق لسدها.

Sunday, 23 March 2008

فـلســفـة الأسـاطـير - المنظور الشريعتي



اعتادت البشرية منذ بزوغها على اختلاق الاساطير، و لطالما كانت هذه الأساطير مرآة للحضارات السابقة، و منبع للتاريخ القديم، لطالما عدها الكثيرون كأضغاث الأحلام، لا يعيرونها أي اهتمام، و يمرون عليها مرور الكرام، من غير التأمل فيما ترمز إليه تلك الأساطير.

تنقسم الاساطير الى اساطير ذات أسس حقيقية، لكن يتم تغييرها بحيث تصبح نماذج كاملة لا تشوبها شائبة، و أساطير مختلقة كليا كالآلهة المتعددة للإغريق.

إن النظر في الأساطير الماضية لا يدع مجالا للشك أنها انما تمثل الغلو في تمثيل الصفات التي تحتاج اليها البشرية. فالحياة الواقعية للبشر تصطدم في كثير من الأحيان بجميع أنواع التعدي على الخير، و تحفل بالشرور و الكذب و الخيانة، لكن بصيص الأمل بالأخيار يبقى حياً، الى أن تصطدم الشعوب مرة أخرى بأن أفضل نماذجها الخيرة لا تستطيع مجاراة حياة الآخرين بخيرها، و لاتعبر عن النموذج الكامل المضيء للإنسان الجميل الخيِّر القوي الشجاع الذكي و الى آخر هذه الصفات.

فتبدأ الشعوب و الحضارات باختلاق ما ينقصها و ما يشبع غليلها من أساطير تعطيهم بوارق الأمل و هواجس الحرية و القوة، و لاختلاف الشعوب و تنوعها و تعدد تواريخها، تقوم كل حضارة بصنع النموذج المناسب لها، فتصنع الحضارة الصينية نموذجها بنفس جنسها، و الحضارة الشقراء تصنع أساطيرها شقراء، و الحضارة السوداء تخترع أبطالا سود، و الحضارة المهتمة بشؤون العلم تخترع قارة "اتلانتس" العظيمة التي غرقت بفعل تجاربها العلمية.

على أي حال، تمثل الأساطير معاني الشجاعة و البطولة و الحب و الوفاء و التضحية، فينهل الناس منها تلك المعاني، و يستنجدون بأبطالها، و يتمثلون شعرا بمحبيها، لأنهم لا يجدون ذلك الحب الطاهر يعيش بين جنباتهم من غير شوائب الشهوات و المصالح و الأنانية.

تغطي الشعوب بذلك نقصها، و تنهل منه كمالاتها، لكنها في نهاية المطاف أساطير، لا ترقى الى مستوى الحقيقة، لذا صارت الحضارات الى مآلها الحالي، حيث الأساطير أضحت خافتة البريق، و قصصاً للعجائز و الجهلة!

لكن الحقيقة هي أن الشعوب في أيامنا هذه لم تعد تنشد آداب أساطيرها لا لعدم حاجتها الى الكمالات التي تختلق فيها، بل لأنها غيرت نمط حياتها، و حدود تفكيرها أضحت بالمادة و المصالح و نيل القوة و السيطرة و المال، لقد كان الانسان في بداياته أكثر تأملا في الكون، و اقل استنزافا للطبيعة، و أعمق دراسة في وجودها؛ لذلك كان أكثر حاجة الى معاني الكمال.

كان الانسان يفتقد الى ما يسهل له الحياة كما في أيامنا، لذا كان يشعر فعليا بالحاجة الى العون و السداد، بينما اصبح الانسان طاغوتا لمجرد تسهيل الحياة له، لكن لماذا بمجرد أن يكتشف الانسان حقيقة علمية جديدة يشعر بصغره في هذا الكون؟ و يطلب العون و السداد من جديد؟ ذلك لأنه تذكر الافق الواسع الذي ينتظره خارج حدود الحياة اليومية و هموم العمل و المال و السلطة.

فلطالما كان أصحاب المعاناة و خشونة العيش أكثر انتاجا و اقوى روحا من المتنازعين على السلطة و الأموال، و ذلك حاجة منهم لما يملأ نقصانهم، فكانت الاساطير إحدى أساليب طلب العون و السداد.

و ما الله تعالى بغافل عن البشرية، فالبشرية في حاجة ماسة و مستمرة للنماذج التي تعبئ روحها بالخير و القوة و التضحية، لذا، عندما أرسل الله سبحانه و تعالى الى البشر رسلا مبشرين و منذرين، كان هؤلاء في مستوى الاساطير في طهارتهم و وفائهم و حبهم و كمالاتهم، لكنهم مع ذلك في مستوى البشر في حياتهم و حاجاتهم و تعايشهم، فكان الإقتداء بهم أوقع من الاقتداء بالاساطير التي تحارب تنينا أو طائرا عملاقا، القرآن الكريم عندما يتحدث عن النبي و أهل بيته يقول

إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا


فكانوا بإرادة الله التي لا تحجزها إرادة طاهرين بجميع كمالاتهم، و يقول القرآن كذلك

وما ارسلنا قبلك من المرسلين الا انهم لياكلون الطعام ويمشون في الاسواق"


فهم بشريون كغيرهم، لذلك كان الاقتداء بهم سهلا ميسرا و كان البشر مدعوون الى مائدة الكمال من دون الاساطير الكاذبة

.

Sunday, 23 September 2007

الكـويـت و معايـير الحضـارة




عندما يتبادر إلى ذهني الحديث عن تأخر الكويت عن جاراتها أحاول في أغلب الأحيان أن" أفلسف" الموضوع لأصل الى نتائج إيجابية تعيد النظرة التفاؤلية لموقع الكويت على الخارطة في سفينة الشرق الأوسط خصوصا.

يشتكي الكثيرون من الحالة التي وصلت إليها الكويت مقارنة بجاراتها التي وصلت ناطحات سحابها الى مئات الأمتار، لكني في هكذا حوارات ألفت النظر إلى الاختلاف في النظام العام للدولة في الكويت عن جاراتها، الكويت لديها سلطة تشريعية - رقابية ذات معالم واضحة، لذا فإن أي مشروع ملموس قد يواجه عرقلة و صعوبات من قبل أطراف نيابية، مما يسبب التأخير على أقل التقادير، إن لم نقل أن الكثير من المشاريع في الديموقراطيات تلغى في حال وجود أقل شبهة في موضوعها.

ما يعنيني في هذا الموضوع هو الجهة الإنسانية، يعتقد بعضهم فعلا بأن الحضارة إنما تقوم على عمرانها و أموالها، و هذا التفكير دارج للأسف كثيرا في هذه المواضيع، و قد تلمست الكثير من الخلط بين الحضارة من جهة كونها مبان و أموال و من جهة كونها قائمة على القيم الإنسانية.

عندما نلقي نظرة الى التاريخ البعيد، و نبحث عن الحضارات فيه، يصعب تجاهل الحقبة الفرعونية في مصر كإحدى أعظم الحضارات في التاريخ، لكنها حضارة و بلا شك قامت على أرواح و دماء و مشاعر المئات من العمال، الأهرامات و المعابد الشامخة لآلاف السنين ما كان لتبنى لو كانت للإنسان المصري قيمة أكثر من كونه عاملا بناءاً لقبور الملوك.

جرت سنة الله سبحانه و تعالى في الأرض أن تعذب الأقوام و تدمر مبانيهم لا لأنهم لم يبنوها بالشكل الصحيح الجميل، بل لقيمهم و أخلاقهم، من يدري كيف كان العمران عند قوم لوط مثلا الذين قُلبت بلادهم و جعلت عاليها سافلها؟!

تشتهر الأمم السابقة بمبانيها و عمرانها و آثارها الملموسة في أغلبها، لكن قياساً الى الإسلام، الذي يعتقد مريدوه أن أفضل حقب التاريخ هي فترة حياة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، خلال تلك الفترة كان المسجد مبني من الطين، كان يقتصر على أسوار و نخيل، و كان الفقر في المدينة مدقعا نظرا لمقاطعة المشركين لهم.

لكنها تعتبر أعلى فترات التاريخ قيَميا و أخلاقيا، حيث المشاركة الأخوية بين المسلمين في شتى مجالات الحياة، لم يعد من آثارها المادية شيئا على الإطلاق بكل أسف، لكن ما تبقى هو الأثر العميق على المسيرة البشرية الى هذا اليوم. و للحضارة اليونانية كذلك إسهاماتها الإنسانية الكبيرة علميا و فنيا، لكنها على كل حال أقل شأنا في المجالات المادية من جارتها الرومانية. التي ماتت و لم تبق منها سوى أحجارها كالفراعنة.

فمن الأكثر ذكرا و تأثيرا في حياتنا؟ فيثاغورس و سقراط أم معبد جوبيتير الكابيتولي؟

لا يخفى أن المظاهر العمرانية أحد شواهد تقدم العلم، إذ يبدو من شموخ أهرامات مصر أن العلم لم يكن قليل الشأن لديهم، لكن و كما ذكرت آنفاً أن هذا التقدم العلمي و العمراني إنما قام على جماجم المساكين، فعذبهم الله و أنجى باقي المساكين مع نبيهم موسى عليه السلام، الذي ترك البلاد بما تحويه من مظاهر للعظمة الفارغة، إذ لم يكن يدعو الى زيادة المباني و الأموال بل الى العدالة و الأخلاق و الأيمان الحافظ للقيمة الإنسانية، و عدم عبادة الملوك و الطغاة، "اذهب الى فرعون إنه طغى".

عند اسقاط تلك المعاني على واقعنا في الكويت، سنجد أن لنا حصب السبق على اخوتنا الأعزاء في الخليج، إذ الإنسانية و الحرية هي المعايير الأساسية للحضارة، لا نقول اننا نعيش في الجنة أو أن الكويتيين ملائكة، فالحديث متعلق بالنظام العام في البلاد.

أذكر هذه الأمور عند النظر الى مباني الكويت خصوصاً، فأبراج الكويت تتفوق في القيمة الجمالية على مبنى مجلس الأمة، لكنه يفوقها بمراحل في القيمة الحضارية، فأي كان يستطيع أن يبني مطعما و خزانا للمياه على أجمل وجه، لكن و بلا شك ليس باستطاعة أي كان أن يبني نظاما يكفل حرية الإنسان.

Thursday, 10 May 2007

ثقافة الحرية


كون الحرية مفقودة عندنا يشكل اهمية فريدة لها، ففقدانها في كثير من الأحيان اصبح هاجساً يخيف كل من تسول له نفسه بأن يخرج ما في قلبه من حقائق يريد البوح بها، فضلا عن بعض الشجون و الهموم المخلوطة بقليل من الفرح (الغير مشروع) في البلاد.

ما نعنيه بالحرية هنا لا يتعلق بالتشريعات التي تصدرها الدول فيما يخص هذا المجال من حرية التعبير و التمثيل الديموقراطي و اصدار الصحف و المجلات و الى آخره من تشريعات نفتقد جوهرها ان لم نفقدها هي ذاتها، إنما الحرية المفقودة عندنا اشمل من ان تكون تشريع، انها ثقافة، و ليصح تسميتها بثقافة العصر، عصر انفجار المعلومات بغير حواجز أو حدود، انها جوهر الحرية التي لا تعني فقط ان تقول ما تريد، مع اعتباره جزءا اساسيا في مصطلحنا، لكن الأهم هو تبادل الفكرة من غير الغاء للآخر.

مشكلتنا هي أن الجميع يريد أن يقول، لكنهم جميعا لا يريدون أن يسمعون، و هنا مشكلة الثقافة، و من هنا تنبع ثقافة الجور و الاضطهاد و قمع الحريات، عندها نغضب لأن هناك من يقمعنا فنثور لتكون لدينا حرية الرأي خالصة، لكننا لن نرضى بأن ينتقدنا شخص، أو ينقد رموزنا، أو يناقش جدية مقدساتنا، أو حتى تاريخنا.

عندما يريد أحدنا أن تتوفر له الحرية يجب أن يحب للآخرين توفر الحرية لهم، فإذا أنا تكلمت و قلت ما أريد بغير قيد أو شرط، لكني أخنق صوت الطرف الآخر فإنني قضيت أولا على روح النقاش الضرورية للوصول الى نتيجة، ثانيا أصبحت أنا من يقمع الحريات، و إن لم أكن أنا فستكون أنت، و إن لم تكن أنت فستكون الحكومة و إن لم تكن الحكومة فستكون أمريكا أو الصين أو جنوب أفريقيا!

في نهاية هذه الثقافة لا بد من وجود طرف مخنوق الصوت (إن كانت عنده أحبال صوتية بالأساس)، فوجود هذه الرغبة في عدم السماح للطرف الآخر بقول ما عنده سينتج قمعا للحرية في مكان من هذا العالم، فالبشرية تعيش في هذا الكوكب تتعامل مع بعضها، و هناك الأخذ و الرد بينها، فلو امتنع أحدهم نتجت القيود التي نبحث الخلاص منها، اليوم دورنا لتحمل هذه القيود، فهل لو أمسكنا زمام الحكم في العالم و صرنا في مقام أمريكا يوماً ما .. هل سنسمح لغيرنا بالحديث؟

Wednesday, 9 May 2007

درء الفساد عن طريق المعاد

بنظرة تجريدية الى حالة التخلف و الانحدار التي نعيش فيها، و بتمعن و تعمق و الذهاب للبعيد، أجد أن السبب الأساسي للتخلف هو عدم الإيمان بالمعاد و الآخرة، إذا اعتبرنا الفساد الاداري كأحد صور التخلف في بلادنا، كون التوغل في البيروقراطية و التمادي في القفز فوق القوانين و مشاركة باقي الناس في ذلك يؤدي بشكل أو بآخر الى انتشار حالة الفساد و بالتالي التخلف عن ركب الأمم المتحضرة و الغربية بالذات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع و اختلاف الاعتقادات و التقاليد الموروثة من بلد الى اخر، أخص بالذكر هنا الكويت كوني معني بها لا بغيرها، أجد أن المحسوبية و المحاباة أساسان جل الاعتماد عليهما في سير العمل

إن النظرة الضيقة الى الحياة و اعتبارها غير منتهية، و تضييق اهداف الانسان الى مجرد الحصول على ثروة او منصب او حتى سعادة، أدى الى القفز فوق الحواجز و تعدي الخطوط الحمراء لاستنقاذ ما يمكن انقاذه من اهداف الثروة و المنصب و السعادة مثلا

أما جعل الايمان بالاخرة و الحساب و الكتاب و الميزان حاضرا عمليا في سلوك الانسان لا بسوغ له في اي حال من الاحوال التعدي على اي حد من الحدود الانسانية، و يجعل الالتزام بالقانون جزء رئيسي في شخصيته. فلا يتعدى ولا يكذب ولا يتآمر و لا يحابي و يظلم لأن في ذلك اضرار بنفسه اولا و اخيرا

حتى اخر ما تنتجه الحضارة الغربية الرائعة لا تستطيع السيطرة على نزعة الفساد ما دام الوازع الشخصي غير مضمون في شخصية الانسان، لكمنا الحاصل هو ان الانسان الغربي اكثر ايماناً بالانسانية و حب الوطن، و هتان ركيزتان لنبذ الفساد
لكن ترنو الى بالنا مسألة هنا، و هي ان المؤمن بالآخرة و المعاد و صاحب الوازع الشخصي بأي قانون يمكننا ان نلزمه او يلتزم به عملياً؟ سنؤجل هذا الى موضوع لاحق ...
Website counter