Sunday 28 September 2008

الخلق الإجتماعي


للكثير من المثل و القيم البسيطة بالغ الأثر في الحياة الاجتماعية الحديثة، الكثير من الاخلاقيات التي قد تعد بسيطة الفهم و مناسبة لصغار السن تكون في الحقيقة هي المحرك الأكبر لحياة "الكبار" الاجتماعية و السياسية، من أمثلتها الصدق و الكذب و الوفاء بالعهود.

هذه المفاهيم البسيطة قد تكون هي المحرك الأساسي للمجتمعات، لكن على شرط نقاء الفطرة و نظافتها في هذه المجتمعات، فعندما تتلوث فطرة المجتمعات و تتأثر بالثقافات غير النظيفة ستكون قراراتها غير سوية، فلا تتحرك وفق الفطرة و لا تتأثر وفق المفاهيم الأساسية البسيطة، بل تكون المصالح الخاصة و النزوات أساساً لتحركها، إضافة الى الدعاية و الأثر الاعلامي المكون لحالة " الوقر في الآذان" فلا تستطيع حينذاك الاصغاء لنداء العقل.

بذكر الأثر الأساسي للمفاهيم البسيطة على حياة الشعوب نقل لي عن أحد الأصدقاء الأمريكيين أنه رفض التصويت لتجديد الولاية لبوش قبل أربع سنوات فصوت لمنافسه، لماذا؟ لأنه كذب على الشعب الامريكي حين ادعى أن أزماته ستنتهي بالحرب على أفغانستان و العراق، لا لانتماء هذا الصديق الأمريكي للحزب الديموقراطي المنافس أو ما شابه، فلا خلاف سياسي هنا فكل الأمر ينحصر بمسألة أخلاقية بسيطة.

و سواء صحت مقولة هذا الصديق أم لم تصح، المهم هو أثر المفهوم الأخلاقي على الموقف السياسي أو ما يوازيه، بكن النظرة المجتمعية غير السوية و المغايرة للأمور تكون لأمرين متداخلين، الجهل و اختلال المفاهيم، سواء البسيطة أو المعقدة، و عند ذكر النظرة المجتمعية فالأمر يختلف عن النظرة الفردية كما هي بالنسبة للصديق الأمريكي، فهي لا تعني أو ترادف الاختلاف الثقافي بين الشعوب، إنما تعني الموقف الشعبي و النظرة العامة المكونة للرأي الاجتماعي و المحرك لكل هذه لهذه المواقف اتجاه القضايا المرتبطة بالشعوب و مصائرها.

فالمجتمع يكون في مرحلة الخطر اذا وصل لمرحلة من الاختلال الاجتماعي بحيث تتغير الموازين فيه عن الفطرة السوية، و الأمثلة القرآنية لتجربة الشعوب الماضية تحكي مراراً عن مثل هذه الحالات، منها قوم لوط عليه السلام، الذين فقدوا صوابهم و داسوا على الفطرة و أخلوا بالميزان الاخلاقي، فصارت فواحشهم محاسن بالنسبة إليهم، كذلك أهل مدين قوم شعيب عليه السلام، دعاهم شعيب لاحترام العهود و عدم أكل الأموال من الفقراء و العدل في الكيل و الميزان و ترك ميكيافيلية التعامل الاجتماعي و التجاري، لكن ما يظهر من الآيات الشريفة أن تلك الحالة كانت سائدة في قوم شعيب، و في كليهما أتى الناس عذاب شديد بما كانوا يخلون بالميزان الأخلاقي، إذ صار المعروف منكراً و المنكر عندهم معروفاً، و هذا ما يحدث في آخر الزمان قبل مجيء المهدي عليه السلام.

و على الرغم من عدم نزول العذاب على هذه الأمة، إلا أن نفس الأسباب المسوغة للعذابو نفس الآثار السيئة لهذه الأسباب مازالت حاضرة و لها كل الأثر، فكان من رحمة الله سبحانه و تعالى أن عذب أولئك الأقوام لكي لا يتأثر اللاحقون بما أفسد قبلهم وأخل من موازين، و على اعتبار حصول نفس الأسباب في آخر الزمان فلا يكون نزول العذاب مطهراً للأرض من المفاسد، بل كان خروج المصلح هو الحل الوحيد لإعادة المجتمعات الى الفطرة الطاهرة السوية، هذه الفطرة التي تتضعضع تحت نير الماديات و تقريب الأغنياء لغناهم و النيل من الفقراء، امتصاص مساكين الأرض و مستضعفيها و التهام ثرواتهم الطبيعية، الوسائل اللاأخلاقية لتحقيق الأهداف المشبوهة، تلويث الأخلاقيات العامة لدواع لا تمت للإنسانية بصلة، فمتى كانت الحرية مدعاة للتحرر الأخلاقي الجنسي؟ هذا إن صح التعبير بـ"تحرر" عنها، إذ ماكان احترام الحرية الا تقديراً لمكانة الانسان و الإنسانية، و التحلل الجنسي مشوه واضح لكرامة الإنسان، فالجنس حاجة غريزية ما ان امتلكت الانسان إلا كانت كالنزوات الأخرى كالأكل و الشرب.

تلك النزوات يشترك فيها الانسان مع الحيوان، و هذه المشتركات امتلكت الحيوان فجعلته في منزلته التي هو فيها، بينما في الإنسان حاجات هي أسمى و أشرف من هذه النزوات، الكرامة و الشرف و الروح العالية و السعادة الدائمة الكاملة و الكمال في كل شيء أهداف الانسانية.

أما معاني الحرية و العدالة و المساواة فما هي إلا وسائل و طرق لتحقيق الأهداف الانسانية السابقة، و استخدامها السيء يؤي الى تلويث الأهداف الانسانية و تحريك النزوات الحيوانية المردية للإنسان، و هكذا هي المجتمعات، كيان إنساني في أعلى المراتب، فما أعلى من الإنسان الا مجموعة أكبر من هذا الانسان، الا الناس، فالمجتمعات تتغذى على القيم و المبادئ التي إن تلوثت تلوثت المجتمعات، وهي لا تتأثر بالغرائز و الشهوات كالأفراد بقدر ما تتغذى على القيم و الثقافات.

و هذا يعيدنا مجدداً الى كربلاء و بطل كربلاء، كونه مشرع أساسي في الإسلام بدلالات أحدها حديث الثقلين، دراسة مبادئه هي دراسة لمنهج الإسلام، تضحيته بينت بجلاء أهمية القيم الإجتماعية على القيم الفردية، فما زالت قضيته معياراً لتوزيع الأولويات في سلم القيم، فعندما ندرك تفوق أهمية القيم الاجتماعية الباقية على القيم الفردية الزائلة فإننا نذكر تضحية الحسين عليه السلام بنفسه الأبية العظيمة من أجل القيم الكبيرة المغذية للمجتمعات في المستقبل.

فالحسين عليه السلام هو أشرف و أفضل و أعظم ممن عاصروه جميعاً، ولا غبار في ذلك، فلماذا إذن يضحي بهذه النفس الكاملة؟ أوليس الكمال الإنساني هدف الإنسانية؟ هو قد بلغ الكمال الإنساني، لكنه ضحى بحياته من أجل الكمال الاجتماعي.

فالمجتمع هو المظهر الأساسي للكمال الإنساني، فبلغ سيد الشهداء بتضحيته عليه السلام ذروة الذرى و أعلى عليين، لذا كانت هذه التضحية مناراً و شعاراً يستدل بها الأسوياء الذين لا يريدون لمفاهيمهم و قيمهم الإعوجاج بالغرائز و الجهلاتالتي تحركها رغبات النخبة من الطواغيت المستكبرين أصحاب المصالح و رؤوس الأموال، فصارت القيم و المفاهيم الأخلاقية البسيطة هي محركات المجتمع المتغذي بروح الحسين عليه السلام، و كانت نظافة هذه المجتمعات واضحة فصارت سجيتها رفض الظلم و التعدي على الكرامة الانسانية بشتى الطرق، و السعي نحو الكمال الاجتماعي السامي في القيمة على مراتب المخلوقات، فتحقق بذلك هدف الخلق و هدف الإنسانية، فالجميع الآن ممتنون لدم الحسين عليه السلام الذي أراقته الوحوش في كربلاء، و بتعبيره عليه السلام عنهم بـ"عسلان" الفلوات كفاية
.

Wednesday 24 September 2008

دولة مؤقتة


نعيش في دولة مؤقتة، التخطيط و الاعداد للمستقبل يجب أن يبدأ من الثقافة، أي تنمية ثقافة الانسان الذي يعيش في هذا الوطن، الانسان في الكويت يخطط لمستقبله الخاص، و هذا يتطلب القبول الشخصي لكسر القوانين، فالفرد الذي يعيش ذاته يختلف كلياً عن الفرد المسؤول الذي يعيش المسؤولية و الذي يضع على عاتقه تنمية بلده.

اذا طرحنا تساؤلنا على النمط الاول من الناس، اي الذين يعيشون حياة الفرد المنقطعة عن المجتمع، هل تقبل ان يصدر قانون دستوري يخول لك ان تفعل ما تشاء و تكسر أي قانون تريد؟

هل تقبل أن تكون الوساطات منحصرة فيك وحدك؟ هل تقبل أن يسير الجميع وفق القانون ما عداك؟ بحيث يكون الجميع راضين؟

النمط الأول سيقبل، بينما الثاني لن يقبل، المسؤول عن المجتمع لن يقبل أن يكسر القانون حتى لو كان هذا في صالحه، الكثيرون يرون أن الحصول على الشهادة يعني الأهلية للحصول على الوظيفة، فما الشهادة الى مرحلة من مراحل التوظيف و كسب العيش، هذا هو التفكير الفردي.

أما التفكير المجتمعي فهو (الحصول على الشهادة من أجل الحصول على العلم)، فإن تنمية البلد تكون بتمنية موارده البشرية، فالمستوى الأفضل للبشر يعني مستوى أفضل للمجتمع و نهاية سعيدة للبلد.

يبدأ التفكير المجتمعي بالإرداة الصلبة لتحمل المسؤولية، و تحمل المسؤولية تبدأ من التطوير الذاتي من جميع النواحي، ثم الاحترام للقانون، و تغيير الثقافة الاستهلاكية في الناس، فحتى لو صارت فواتير الكهرباء و الماء و البنزين اختيارية ينبغي أن نبادر جميعا لدفعها.

هل هذا النمط من التفكير يعيش بيننا؟ لو كان فينا ما يكفي من هذا الأسلوب لما صرنا نعيش في دولة مؤقتة تترنح إثر رياح التغييرات فيما حولنا، بحيث صار الجميع يخطط لمشروع احتياطي للمستقبل يحفظ كرامته بعد السقوط الكبير، خافلين أن حتى الدين يحث على التفكير المجتمعي، فقيمة المجتمع تغطي قيمة الفرد، و في الأزمات يركب الجميع سفينة واحدة، ولا يفرق الغرباء بين فئاتنا بل يرونا سواء، لذا كان المجتمع أفضل حماية للفرد، فصار من الجهل التضحية بالمجتمع في سبيل الفرد
.

Sunday 14 September 2008

قصاصات


السعودية تمدد امتياز شيفرون من دون الرجوع للكويت
وافقت الحكومة السعودية بشكل نهائي على اتفاق تمديد امتياز نفطي لشركة
شيفرون الاميركية في المنطقة المحايدة التي تتقاسمها مع الكويت، فيما اكدت
مصادر نفطية في مؤسسة البترول ان هذا التمديد لم يناقش مع الكويت. واوضحت
المصادر ان انباءا كانت افادت، في وقت سابق، ان السعودية تبحث تمديد امتياز
شيفرون لمدة 6 أشهر، لكن القرار النهائي لم يبحث مع الكويت، على الرغم من اتفاق
الجانبين السعودي والكويتي على اجراء مباحثات مسبقة لأي قرار يتعلق بالمنطقة
المحايدة، والتي تعمل فيها شيفرون

..احنه طوفة هبيطة من زمان
يقال ان وزير النفط الأسبق علي الجراح أوقف العمل في المصفاة الرابعة استجابة لرفض سعودي. كانت الكويت لاعباً سياسياً مهماً في الشرق الأوسط، لكنها الآن صارت أقل من عادية، الطريف في الأمر أننا لا نزال نظن اننا "نازلين من السما" و أننا شعب الله المختار، لكنني بدأت أعتقد بما قاله لي صديق في أحد الأيام، أن الاستراليين ينظرون إلينا كحشرات
.



القرضاوي يحذر من غزو شيعي للمجتمع السني

حذر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، من ازدياد المد الشيعي،
داعيا علماء المسلمين إلى التكاتف لمواجهته.واكد القرضاوي لصحيفة المصري اليوم
المستقلة، في عددها الصادر امس، ان "الشيعة مسلمون، لكنهم مبتدعون، وخطرهم يكمن في
محاولتهم غزو المجتمع السني، وهم يهيئون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات،
وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية خصوصا أن المجتمع السني
ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي". وأضاف: "نحن العلماء لم نحصن السنة ضد
الغزو الشيعي لأننا دائما نعمل بالقول: ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين وتركنا علماء
السنة خاوين".وتأسف من وجود شيعة في مصر. وقال: "حاولوا قبل ذلك عشرات السنوات أن
يكسبوا مصريا واحدا، ولم ينجحوا من عهد صلاح الدين الأيوبي وحتى 20 سنة مضت".
وأضاف: "هم الآن موجودون في الصحف وعلى الشاشات ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم، ويعملون
مبدأ التقية وإظهار غير ما بطن، وهو ما يجب أن نحذر منه، وأن نقف ضده في هذه
الفترة، وأن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعة".


بحياتي ما شفت هالكثر تناقض بتصريح واحد، في بداية الأمر ما هو سبب وجود المد الشيعي الحالي؟ لماذا تدور هذه النغمة في أيامنا هذه أكثر من غيرها؟

السبب واضح، و هو الحضور الشيعي القوي في القضايا الكبيرة التي تخص الأمة الإسلامية، حضورهم القوي في مواجهة أمريكا و اسرائيل، و حضورهم الفكري المصاحب للانتشار السهل و السريع للمعلومات، لقد وجد الكثيرون في الحركة الشيعية الحل لمشاكلهم الروحية و الاجتماعية و السياسية، في ظل الحضور غير المحبب للأطراف المناوئة للشيعة، و خير مثال على ذلك التصريح الجديد للمفتي السعودي صالح اللحيدان الذي يبيح قتل بعض ملاك القنوات الفضائية (مع بعض الشروط).

أضف الى ذلك كله قول القرضاوي أن المجتمع السني لا يملك حصانة ضد الثقافة الشيعية، و يبرر ذلك بتقصير العلماء السنة و لا يبرره بقوة الطرح الشيعي.

يرى القرضاوي ضرورة وحدة المسلمين، و في نفس التصريح يحذر من المد الشيعي، هل كيف يكون التناقض إذاً؟

يؤكد القرضاوي توفر الأموال الضخمة عند الشيعة، و لم يجهد نفسه قليلاً بالمقارنة بين الأموال الشيعية و السنية إن صح التعبير، فالواضح جداً أن الشيعة أقل أموالا و عدداً من السنة.

أخيراً يقول أن الشيعة ينشرون أفكارهم في المجتمع السني و يجهرون بها، لكنهم مع ذلك يعملون بالتقية! هل كيف يكون التناقض يا شيخ؟

متى سنقارع الحجة بالحجة؟

Tuesday 9 September 2008

اطـعمـوا أسـيركم


عندما كان علي عليه السلام خليفة المسلمين، كان يقسم العطاءات و الرواتب، و بعد حرب صفين،جاء اليه عبدالرحمن بن ملجم المرادي، وهو حين ذاك خارجي يجاهر ببغض أمير المؤمنين عليه السلام، جاء ليستلم عطاءه، عرفه علي عليه السلام، فزاد من عطائه لسبب ما.

في الشام كان لمعاوية بن أبي سفيان حكم ذاتي، و كان يجاهر أيضا ببغض علي عليه السلام، و عندما حصل معاوية على الخلافة أمر بسب علي عليه السلام على المنابر في الخطابات الرسمية و ربما في غيرها.

عندما سقطت دولة الأمويين و حصل بنو العباس على الخلافة، كان خلفاؤهم يقتلون أبناء و أحفاد علي عليه السلام، و كان الكثير منهم يسبه و ينتقص من شأنه في مجالس بلاطهم.

بالنسبة للخوارج، فقد كانت قيادتهم تعيش في الكوفة، حيث يعيش علي! و كانوا يحضرون الصلاة و الخطب، و يستلمون معاشاتهم، و يشترون و تباع لهم المؤن، لم يتم عزلهم، لكنهم على الرغم من ذلك كانوا ارهابيين، قتلوا عبدالله بن خباب بن الأرث ابن الصحابي، و قتلوا زوجته و الجنين الذي في أحشائها، و كانت هذه العملية الإرهابية إعلان الحرب على علي عليه السلام.

عندها قام علي كما قام سابقا في بدر و في غيرها، كما جهز جيشاً لإعادة الحرب في صفين، رداً على إغارات معاوية على معسكرات الكوفة، و ما أثار الإمام عليه السلام هو الهجوم على امرأة يهودية و نهبها من رجال معاوية، و المرأة اليهودية كانت تسكن في نطاق الكوفة و تدين بالولاء لحكومة علي عليه السلام كمواطنة.

عقيل بن أبي طالب هو أخو الخليفة، كان فقيراً، و هو ممدوح من قبل الرسول (ص)، جاء عقيل الى علي عليه السلام يطلب من بيت مال المسلمين قرضاً، فأدنى منه علي حديدة محماة، إشارة لرفضه، و تذكيراً بيوم القيامة و نار حامية و جنة و آخرة، و عقيل أخوه، و قيل ان ابنة لعلي عليه السلام قد اقترضت عِقدا من بيت المال لتتزين به في زفاف، و تركت مقابله رهنا يعادله في بيت المال، فما استحسن علي ذلك، و تأكد من وجود الرهن في بيت المال.

عندما جاء عبدالرحمن بن ملجم في المرة الثانية، جاء ليغتال علياً عليه السلام، و فعل، و ظل علي عليه السلام جريحاً إثر ضربة سيف ابن ملجم ليلتين، في هاتين الليلتين كان ابن ملجم محبوساً حتى يحاكم، في هاتين الليلتين قيل أن علي لا يشرب اللبن كله، فيترك شطراً لقاتله ابن ملجم و لم ينسه، و كان يقول لمن معه "اطعموا أسيركم
".

Saturday 6 September 2008

الكمال العلوي


صفة الإنسانية التي شرفها الله سبحانه و تعالى ليست أمرا خالصاً، و تشريفها ليس من ذاتيتها، بل بكمالاتها، النفس الإنسانية الأكثر كمالاً تكون أكثر شرفا، بينما النفس التي تغرق نفسها في أوحال الغرائز و الشرور تكون أكثر خبثاً مما هو في العادة أقل تشريفا من الإنسانية، لذلك كانت النفس الإنسانية متغيرة الحال و المرتبة بشكل متفاوت.

القيم و المبادئ التي ترفع قيمة الإنسان يجب أن تكون حاضرة في سلوكه، فإذا ما اقترنت المعرفة بالعمل صار الإنسان أكثر كمالا و قيمة.

علي بن أبي طالب عليه السلام، له أثر أدبي جمعه الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة، يقول في طيات خطبته الأولى:

أول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به.و كمال التصديق به
توحيده.و كمال توحيده الإخلاص له.و كمال الإخلاص له نفي الصفات
عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة كل موصوف أنه غير
الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه.و من قرنه فقد ثناه.و من ثناه فقد جزاه.ومن جزأه فقد جهله.و من جهله فقد أشار إليه.و من أشار إليه فقد حده.و من حده‏ فقد عده.

هذا الكلام ينم عن علم جم لايرقى إليه مرتق، و عادة يتصور لنا أن من يصدر منه مثل هذا الكلام شخص جالس في إحدى زوايا بيته يفكر و يكتب و يقرأ و لا يبرح مكانه، لكن الحقيقة هي أن قائل هذا الكلام إنما هو نفسه حامل السيف، و نفسه الذي كان على رأس دولة مترامية الأطراف.

لقد تجلى العلم و تجلت المعرفة في سلوكه عليه السلام، فكان سلوكه متناغماً تماماً مع ما يطرحه، و كانت لذلك القيمة الإنسانية فيه في أعلى مستوياتها.

أردت أن اصنفه خارج نطاق الدين، فوجدته سابقا للفلاسفة، راجحاً على أساطير القتال، متفوقاً على الملوك في الحكمة و العدالة. فلم أجد أنه ينطلق ضمن نطاقات بشرية، بل هو صاحب قضية و رسالة إلهية، إذ كلما ارتفعت الأهداف كلما ارتقت مبادئها في سلم القيم و المبادئ، و لما كان علي عليه السلام متفوقاً في مبادئه و أهدافه أدركنا أن نطاقها أوسع و أشمل، و لما أن شاهدناه مضحيا أدركنا أنها لا تختص بالدنيا، و لما أدركنا أنها لا تختص بالدنيا علمنا أن أهدافه و مبادئه ليست من صنع الناس بل هي ملهمة من الله تعالى، فهي مبادئ إلهية.
Website counter