Sunday 23 September 2007

الكـويـت و معايـير الحضـارة




عندما يتبادر إلى ذهني الحديث عن تأخر الكويت عن جاراتها أحاول في أغلب الأحيان أن" أفلسف" الموضوع لأصل الى نتائج إيجابية تعيد النظرة التفاؤلية لموقع الكويت على الخارطة في سفينة الشرق الأوسط خصوصا.

يشتكي الكثيرون من الحالة التي وصلت إليها الكويت مقارنة بجاراتها التي وصلت ناطحات سحابها الى مئات الأمتار، لكني في هكذا حوارات ألفت النظر إلى الاختلاف في النظام العام للدولة في الكويت عن جاراتها، الكويت لديها سلطة تشريعية - رقابية ذات معالم واضحة، لذا فإن أي مشروع ملموس قد يواجه عرقلة و صعوبات من قبل أطراف نيابية، مما يسبب التأخير على أقل التقادير، إن لم نقل أن الكثير من المشاريع في الديموقراطيات تلغى في حال وجود أقل شبهة في موضوعها.

ما يعنيني في هذا الموضوع هو الجهة الإنسانية، يعتقد بعضهم فعلا بأن الحضارة إنما تقوم على عمرانها و أموالها، و هذا التفكير دارج للأسف كثيرا في هذه المواضيع، و قد تلمست الكثير من الخلط بين الحضارة من جهة كونها مبان و أموال و من جهة كونها قائمة على القيم الإنسانية.

عندما نلقي نظرة الى التاريخ البعيد، و نبحث عن الحضارات فيه، يصعب تجاهل الحقبة الفرعونية في مصر كإحدى أعظم الحضارات في التاريخ، لكنها حضارة و بلا شك قامت على أرواح و دماء و مشاعر المئات من العمال، الأهرامات و المعابد الشامخة لآلاف السنين ما كان لتبنى لو كانت للإنسان المصري قيمة أكثر من كونه عاملا بناءاً لقبور الملوك.

جرت سنة الله سبحانه و تعالى في الأرض أن تعذب الأقوام و تدمر مبانيهم لا لأنهم لم يبنوها بالشكل الصحيح الجميل، بل لقيمهم و أخلاقهم، من يدري كيف كان العمران عند قوم لوط مثلا الذين قُلبت بلادهم و جعلت عاليها سافلها؟!

تشتهر الأمم السابقة بمبانيها و عمرانها و آثارها الملموسة في أغلبها، لكن قياساً الى الإسلام، الذي يعتقد مريدوه أن أفضل حقب التاريخ هي فترة حياة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، خلال تلك الفترة كان المسجد مبني من الطين، كان يقتصر على أسوار و نخيل، و كان الفقر في المدينة مدقعا نظرا لمقاطعة المشركين لهم.

لكنها تعتبر أعلى فترات التاريخ قيَميا و أخلاقيا، حيث المشاركة الأخوية بين المسلمين في شتى مجالات الحياة، لم يعد من آثارها المادية شيئا على الإطلاق بكل أسف، لكن ما تبقى هو الأثر العميق على المسيرة البشرية الى هذا اليوم. و للحضارة اليونانية كذلك إسهاماتها الإنسانية الكبيرة علميا و فنيا، لكنها على كل حال أقل شأنا في المجالات المادية من جارتها الرومانية. التي ماتت و لم تبق منها سوى أحجارها كالفراعنة.

فمن الأكثر ذكرا و تأثيرا في حياتنا؟ فيثاغورس و سقراط أم معبد جوبيتير الكابيتولي؟

لا يخفى أن المظاهر العمرانية أحد شواهد تقدم العلم، إذ يبدو من شموخ أهرامات مصر أن العلم لم يكن قليل الشأن لديهم، لكن و كما ذكرت آنفاً أن هذا التقدم العلمي و العمراني إنما قام على جماجم المساكين، فعذبهم الله و أنجى باقي المساكين مع نبيهم موسى عليه السلام، الذي ترك البلاد بما تحويه من مظاهر للعظمة الفارغة، إذ لم يكن يدعو الى زيادة المباني و الأموال بل الى العدالة و الأخلاق و الأيمان الحافظ للقيمة الإنسانية، و عدم عبادة الملوك و الطغاة، "اذهب الى فرعون إنه طغى".

عند اسقاط تلك المعاني على واقعنا في الكويت، سنجد أن لنا حصب السبق على اخوتنا الأعزاء في الخليج، إذ الإنسانية و الحرية هي المعايير الأساسية للحضارة، لا نقول اننا نعيش في الجنة أو أن الكويتيين ملائكة، فالحديث متعلق بالنظام العام في البلاد.

أذكر هذه الأمور عند النظر الى مباني الكويت خصوصاً، فأبراج الكويت تتفوق في القيمة الجمالية على مبنى مجلس الأمة، لكنه يفوقها بمراحل في القيمة الحضارية، فأي كان يستطيع أن يبني مطعما و خزانا للمياه على أجمل وجه، لكن و بلا شك ليس باستطاعة أي كان أن يبني نظاما يكفل حرية الإنسان.
Website counter