Showing posts with label الهيات. Show all posts
Showing posts with label الهيات. Show all posts

Monday, 28 December 2009

أغنيتي


في كل محاولاتي التي اريد بها الكتابة عن الحسين بن علي عليه السلام أفقد بوصلة قلمي و اتجه نحو ما أعتبره إفادة لمن يقرأ، و في كل محاولاتي للإستماع الى من يتحدث عن الحسين بن علي عليه السلام ابحث عن الاستفادة لي كمستمع.

أعتقد ان الشعور العاطفي الفارغ حول القضية لا يتعدى كونه قاعدة ركيكة لمن يريد الاستلهام منها، و أعتقد أن الدموع إنما هي لري جذور القضية في نفوس البشر على مر الأيام و كر محاولات الإتلاف و التهميش المتعمدة لواقعة الطف العظيمة، كما أنها نتيجة لمعرفة حقيقية لما دار فيها، كذلك جميع الشعائر الحسينية.

فلطالما وطدت العلاقة بين جوانب البنيان الديني في ذهني عن طريق قضية الامام الحسين عليه السلام، و لطالما كنت أدرس و أفكر في جميع ظروفها التاريخية و السياسية و العقدية، قاصداً من ذلك معرفة فلسفة ثورة الامام الحسين عليه السلام، و لا أبالغ إن قلت أنها أغنيتي في حياتي، غدوت أشدو بها يوميا لا في يوم عاشوراء و حسب.

لقد وجدت في الحسين ابناً لأعاظم البشرية في الدعوة و الأخلاق و الإيمان و الجهاد و الصبر و الذكاء و القوة، عندما اقرأ بتجرد عن الحسين أجد أنه ابن محمد و علي، محمد بالنسبة لي رمز الدعوة نحو الحقيقة، و علي بالنسبة لي منهاج للحياة المثالية.

لكن في الحسين أجد الأمر مختلفاً إذا ما نظرت الى وقفته باعتبارات ألفيتنا الثانية، على الرغم من التشابه في المثالية..

لقد ذهبت الى كربلاء، فلما وقفت على باب الحرم الحسيني شممت رائحة زكية، رائحة الدماء و الثورة و الغضب، معبرة عن قائد عظيم وقف مطالباً بحريته و اختياره المقدس، قائد عظيم يحمل ثقلاً عرفانياً يحتويه صدره، قائداً يحمل جميع تفاصيل الدين الشعائرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، قائداً يحمل هم ما مضى من دين جده و يرى الى مستقبل مظلم أمام الأمة فوقف بنفسه ليغير واقع المستقبل، لأنه يمثل الشرعية الدينية، فموقفه يمثل الموقف الشرعي.

لقد زحف اليه ثلاثون ألفاً أو يزيدون، مدججين بالسلاح، لعله يغير رأيه و موقفه، لا يستسلم، إنما يبايع يزيداً مسؤولا عن الأمة و عن تاريخها و ماضيها، أتخيله وقف على جواده بعد أن قتل أهله و صحبه، و هو يسمع صراخ النساء و الأطفال من خلفه، و قلبه كصالية الجمر من العطش، حاملا سيفاً أمام تلك الذئاب التي تأتمر بسلطة أقوى دولة في ذلك العالم، وقف أمامهم و يداه و رجلاه ثابتتان ثبات الجبال، وهو مع ذاك حسن الوجه ماضي الجنان رابط الجأش، رافضاً الخنوع و الخضوع للظلم و الاستعباد الملوكي، يصرخ فيهم: والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد..
و لا كلام بعد كلامه، إلا أن تأتوني بمثله، و لن تستطيعون..

Tuesday, 22 December 2009

المقام المعنوي و المقام العملي


من جديد ما استنرت به في موسم عاشوراء لهذا العام، أن أهل البيت عليهم السلام ما نالوا هذه المقامات التي هم عليها إلا بالعمل الصالح، نعم لقد اختارهم الله تعالى بناء على علمه باستعدادهم لذلك العمل، حيث أن علم الله تعالى لا يرتبط بالزمان و المكان كعلم الانسان، فالزمان و المكان مرتبطين بالمادة و الحركة، و الله خالق الحركة و المادة و هو العلم المطلق تعالى.

و المقصود بالعمل الصالح هو وقوف علي عليه السلام في صف النبي (ص) في مكة، و دعمه للرسالة، و الفدائية و المبيت في فراش النبي (ص) ليلة الهجرة، و الجهاد في الحروب و الصبر في اختلاف الأمة و حفظ وحدتها، ثم تولي الخلافة و تنقية الأمة من شوائب عصر الخلافة و التعامل مع الخوارج و أهل الجمل، ثم خطبة الزهراء و دفاعها عن حق علي عليه السلام و صبر الحسن عليه السلام و مصالحته و شهادته الحسين عليه السلام و تضحيته و علم الأئمة الباقين و تصديهم للحفاظ على الأمة.

و مع الأخذ بالاعتبار كل التفاصيل التي صاحبت ما سبق، يتبين أن أهل البيت عليهم السلام قد فاقوا العالم، السابق منهم و اللاحق، في الفضيلة و العلم و العمل الصالح.

يقول تعالى في سورة التوبة: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ، والله لا يهدي القوم الظالمين)، نزلت الآية في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طال عليه السلام، إذ تفاخر بعضهم سقاية الحجاج و عمارة الحرم، و تلك تعتبر بشكل أو بآخر مقامات ترتبط بالدين و تتعدى المقام الدنيوي، لكنها لا تعني شيئا أمام الإيمان بالله تعالى و الجهاد في سبيله.

إذا ما استنرت به هو أن قضية أهل البيت و طريقة ارتباطنا بهم عليهم السلام ليست قضية غيبية نورانية خيالية كما يصورها بعض المتحدثين باسم الدين، إنما هي تعتبر قضية انسانية عملية ترتبط بشكل مباشر بمدى ما كان لأهل البيت عليهم السلام من دور ريادي في الدين و السياسة و كل ما يتعلق بنهضة الأمة و نجاتها.
و كل ما اتمناه من حضور الموسم العاشورائي هو الانتباه و الحذر من دعوات تمييع قضية أهل البيت و حكرها بالارتباط الروحي و العاطفي بدلا من دفع الجماهير نحو العمل الصالح الناهض بالأمة.

Friday, 18 December 2009

نهضة الحسين


لا يمكن معرفة أبعاد نهضة الامام الحسين عليه السلام من دون الاطلاع على الظروف السياسية و الدينية المحيطة منذ وفاة الرسول (ص) في السنة الهجرية العاشرة الى اليوم الذي وقعت فيه الحادثة، أي بعد خمسين سنة، إذ أن الإمام الحسين عليه السلام قد حدد السبب الذي من أجله قام في وجه الحكم الأموي الجائر مصرحاً بأنه الإصلاح.

فإذا ما أردنا أن نعرف جوانب ذلك الاصلاح، ينبغي أن نعرف جوانب الفساد الذي انتشر في ذلك الزمان، و من الذي ساهم في انتشاره، و من الذين دعموا ذلك الفساد. ثم بالنظر الى واقعنا اليوم، هل عادت بعض تلك العناصر، هل هناك من يدعم نفس تلك النظم الفاسدة؟ و ما هو دورنا اليوم؟ هل هو نفس دور الحسين و أنصاره؟ أم كدور يزيد و عبيدالله بن زياد؟

يبدو من القاء النظر على النهضة الحسينية، أنها كانت تستهدف الاصلاح السياسي عن طريق ازالة النظام الأموي القائم و إعادة النظام النبوي و تغيير الحكم الملكي الى حكم يعتمد على مؤهلات دينية، كما أنها كانت تستهدف الاصلاح الاقتصادي الذي كان يعمل عليه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام محاولاً تغيير الطبقية التي تجذرت في عهد الخلفاء الذين سبقوه.

كما أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام استهدفت الاصلاح الإجتماعي بعد ان تمزقت الأمة الى فرق، الفرقة الأموية و الفرقة العثمانية و الفرقة "ضد العثمانية" و فرقة الخلفاء بالاضافة الى الشيعة أتباع محمد و علي، كانت الثورة تستهدف توحيد الأمة تحت راية الاصلاح و العمل وفق المفاهيم التي سادت في العصر النبوي، فالامام عليه السلام قام و اتجه الى الكوفة تلبية لنداء أهلها ذوي الغالبية غير الشيعية.

كما أراد عليه السلام إصلاح المفاهيم الدينية بالبراءة من تصرفات يزيد بن معاوية من شربه للخمور و إعلانه للفجور، و ترسيخ الأسس العقائدية التي تبناها الاسلام بدلا عن الموجة الأموية التي دعمت الجبرية و العناصر التوحيدية و الوحدوية في الاسلام و التي تؤدي في نهاية المطاف الى تشويه الاصول التي قام عليها الاسلام.

بالاضافة الى ذلك، ينبغي معرفة أن تلك الجوانب الاصلاحية السابقة مترابطة بقوة، و منها الاصلاح الانساني، فكانت الثورة داعية في أدبياتها الى الحرية و نبذ العبودية للسلاطين و رفع قيمة الانسان و كرامته، و مقتل قائد الثورة لا يعني فشلها، إذ أن مقام الحسين الديني و الاجتماعي معروف و واضح، و وقوفه وحيداً في وجه ثلاثين ألفا مدججين بالسلاح شامخاً صلباً و ثابتاً يكفي لإيصال رسالته، لكن ما علينا اليوم هو تلقيها و نشرها بالطرق التي تليق بها.

Tuesday, 6 October 2009

رجال الدين


يعتمد مسلموا الشرق الأوسط كثيرا على قوة الشخصيات و مدى ما تتمتع به من كاريزما، إذ يرتبط الناس كثيراً بالشخصية التي تمثل لهم جهة الحق، و يكون هذا الارتباط شاملا لكل الجوانب العامة و الخاصة لتلك الشخصية.

و في الجهة المقابلة نجد الحالة المثالية التي تدعو الى توجيه الإعجاب الى الجوانب المشرقة فقط من الشخصيات الكبيرة، إذ جميع تلك الشخصيات تمتلك جوانب مظلمة لا ينبغي ان تكون هدامة او باعثة لترك الإعجاب بالجوانب المشرقة من أبطال الأمة.

فإن تفوق بطل الأمة القومي بأمر ما فلا ينبغي الاهتمام بما نجده من جوانب النقص في الأوجه الأخرى للبطل القومي، و كثيرا ما يصدق هذا على علماء الدين.

فللناس بالطبيعة التي جبلوا عليها ثقة كبيرة برجال الدين و علمائه، و عند النظر للوجه الشيعي من الأمة فإن الارتباط بالمرجع يتم عن طريق التقليد كخطوة أولى، و للتقليد شروط فقهية و خطوات محددة لها أدلتها الفقهية، لكن ما يثير التساؤل قبل أن يثير الاستهجان هو الارتباط العاطفي الشديد بالعالم الديني.

نعم، إن الإيمان و الورع من شروط التقليد، و هي صفات مهمة في الدين لا ينبغي التغاضي عنها، و لنقل جزافاً أن علماء الدين هو الأكثر إيماناً و تقوى نظراً لعلمهم بتعاليم الدين و زواياه و نصوصه، لكن كل هذا لا يعني بالضرورة و بأي حال من الأحوال أن يتحول هذا التقليد الى اعجاب و ارتباط عضوي.

قد لا يكون ذلك العالم بطلاً قومياً، و قد لا يكون شجاعاً أو خطيباً مفوهاً، أو مستعداً لمواجهة التحديات أو الجماهير، فالعمل الصالح شيء و معرفته شيء آخر، فقد يكون العالم أعرف الناس بأوجه الخير لكنه لا يقدم إليها، فالدافع النفسي لها أمر يرتبط بالإرداة التي سيحاسَب عليها الجميع لأنها مناط التكليف و دليل الحرية المرتبطة بوجود العقل الإنساني، إذ لولاها لصار الإنسان مسيراً مجبراً.

و هنا أعود و أقول: كما أن كمال الشخصية عند العالم ليست ضرورية، كذلك فإنها ممكنة، فقد شهد التاريخ ولادة شخصيات متكاملة بجميع أوجه الكمال الإنساني المرتبط بالقيادة الدينية كالكتابة و الخطابة و الشجاعة و قوة المواجهة بالإضافة الى العلم و الإيمان، و منها سماحة السيد القائد الخامنئي، الذي توج مواقفه الكثيرة بقوة التعامل مع أزمة انتخابات الرئاسة الإيرانية، و كان رمزاً للحفاظ على الثورة و عدم الخضوع للشارع الغوغائي، و بذلك اختلفت الإرادات التي كونت أولئك العظماء، و بذلك بانت معادن تلك الشخصيات و بان تفاوتها فمنها الرفيع و منها الوضيع، منها ما ينفع الناس و منها ما هو زبد للبحر لا يسمن و لا يغني.
و في الدين ما يدعو الى الارتباط بالشخصيات المتكاملة القليلة درءاً للإعوجاج بالمنهج و حفظاً للدين في نفوس البسطاء، و ضماناً لمسيرة الحركة الاسلامية بالاتجاه الصحيح.

Sunday, 15 February 2009

أمـة الشــيعـة


إن الشيعة أمة من أرقى الأمم، لو لم يكن لديها الا تخليد عظمائها لكفاها عظمة و افتخارا، ذكرى عاشوراء تخلد نظرا لكونها يوم الحادثة، لكن ما ذكرى الاربعين الا استذكارا لمجد الشهداء و تذكيرا بتضحيتهم في سبيل الاصلاح، الاصلاح الانساني، الانسان الذي لا يعيش حرا يملكه الطاغية، و الانسان الذي يباع و يشترى من اجل اذلاله يجب ان يتعرض لصدمة الاصلاح التي جاء بها الامام الحسين عليه السلام من البيت النبوي.

و لا غرابة في تلك التضحية، فأبوه امير المؤمنين عليا عليه السلام جاهد و ضحى مرارا و تكرارا، و كانت أول مجاهدة في سبيل اصلاح الأمة أمه فاطمة الزهراء بنت الرسول، و استذكار تلك التضحيات يرفع الهمم و يثير العزائم نحو اصلاح ما يمكن اصلاحه، و نحو تعديل المفاهيم المغلوطة و تحديد الاولويات الاسلامية و الانسانية.


أما الذين يقتلون زوار الحسين عليه السلام، فيكفي انهم يهينون عظماءهم، و يرفضون الحرية و الاصلاح، و يتمرغون في أوحال طغاتهم، فهم أقل من نوع الانسان منزلة، و أجبن من باقي الأمم حجة و برهانا و جهاداً
.

Wednesday, 14 January 2009

إلى المؤمنين و منابرهم




ما إن يحل موسم المحرم حتى تثور في ذهني قضية المنابر الحسينية و شعائرها، فهي حالة مميزة جداً و بارزة في حياة الشيعة على وجه الخصوص، و قضية المنابر غير المؤهلة تشكل لي هاجساً عصيباً يبقى أثره علي كثيراً، في أغلب الأحيان أكتم غيظي و أبلع شكواي لكنني أبوح بما لدي صريحاً للمقربين.

أشكو كثيراً من المنابر غير المؤهلة، و هذا حكم نهائي لا يقبل التراجع بالنسبة لي، فأنا و بحمدالله أملك الرغبة في التغيير و في تجربة الجديد من الخطباء و ما بموازاتهم، و قد أعطيت الكثير من أولئك الخطباء الفرصة تلو الأخرى لعلهم يغيرون رأيي فيهم، لعلني أنا المخطئ و كل الجماهير التي تحت منابرهم هي المصحة، لكنني لم أستطع أن أجبر عقلي قسراً على حكم هو يرفضه.

فما هي المنابر غير المؤهلة؟ و التي مع كل أسف تمتلك جمهوراً عريضاً؟

هي المنابر التي تخرج قضية سيد الشهداء عليه السلام من محتواها، هي التي تغير من شكل الحركة الحسينية و تمسخها ثم تبثها مغلفة بوجه آخر، و لا أبالغ إن قلت أن لها من يدعمها و ان لها امتدادها بين التنظيمات الدينية.

عناصر عدة أسهمت في جعل تلك المنابر غير مؤهلة،و هي مترابطة بعنواين متفرقة:

الخطاب اللا واقعي للدين


و هذا ما تعج به الكثير من منابرنا، و الغريب أن الكثير من المؤمنين و المثقفين لا يتورعون عن دعمها و حضورها بكل قوة، يغلب على خطبائها الطابع العادي من المعرفة، فالكثير ممن يحضر هؤلاء الخطباء يفوقونهم علما و معرفة حتى بالدين، لكنهم امتهنوا الخطابة و صارت قضايا الدين فاكهتهم و أرضهم الغناء لذكر الروايات التي لا نفهمها و لا هم يفهمونها.

مشكلة هؤلاء انهم في الكثير من الأحيان يستندون على روايات صحيحة و أمور ثابتة في تفسير بعض الاحداث التاريخية التي مر بها أهل البيت عليهم السلام، و يرمون بتفسيرهم الغيبي بكل شاردة و واردة سواء خصت الدين أم لا. كل هذا يؤدي الى تخدير الناس و جعل دينهم و ثورتهم الحسينية الخالدة أفيونا لهم و مهدئاً لأعصابهم حتى كتب أحدهم في إحدى الصحف أن البكاء الذي نتج عن ذكر سيد الشهداء قد ساعد المؤمنين على الهدوء و الاستقرار النفسي فها نحن نراهم ينامون هانئين!

أنا لا أقول عنهم هذا إلا من تجربة عايشتها، أراهم يقفزون الى التفسير المستند على الغيب و الولاية التكوينية و المقامات المتصاعدة و المتنازلة حتى من غير شرح واف، و أملك العديد من الأمثلة منها أن كيف صار ابليس رجيما خارجا من رحمة الله من معصية واحدة بعد عبادة آلاف السنين؟ نحن قد لا نعرف، و قد تكون هناك بعض التفاسير و الشروح الغيبية في هذه المسألة، لكن التفسير الواقعي و تتبع الآيات يقول أن عبادته كلها لم تكن خالصة لله تعالى بل كان ابليس يرمي من ورائها نيل مرتبة من المراتب، فلما أن خلق الله تعالى آدم و أمر ابليس بالسجود له رفض ذلك، و كان رفضه علامة عدم الاخلاص، ما الفائدة من ان ينبري أحدهم لذكر التفسير الغيبي الذي لا يفيد الجمهور الا للتسمر خلف المنبر؟ هذا على فرض ان التفسير الغيبي واقعي و مستند على روايات و آيات واضحة، فإن لم يكن كذلك فالمصيبة أعظم، و قس على ذلك الكثير من الاحداث التاريخية المفصلية مثل واقعة عاشوراء.

إن التفسير الواقعي يعطي للمستمعين الحركة و يبعث فيهم فهم الحوادث القرآنية و الحوادث المرتبطة بأهل البيت عليهم السلام بحيث تكون دافعاً لتحقيق مطالب الدين لا قصصا تقضى بها أوقات المستمعين و تحرك مشاعرهم بها. و قد أشرت إشارة سريعة الى هذا النوع من التفسير في موضوع سابق عند الحديث عن الطواف حول الكعبة.

و هذا يقودنا للعنصر الثاني وهو:

اخراج قضية عاشوراء من واقع الحياة

و هي أخطر الموجات الحديثة، البكاء لمجرد البكاء، و الاحياء لمجرد الاحياء، و قشرية التعامل مع قضية هي أم القضايا كثورة الامام الحسين عليه السلام، إن الاستثناءات التي صاحبت قضية الامام الحسين عليه السلام، و الاستثناءات التي تدور احياء شعائر هذه القضية في فلكها لم تأت اعتباطاً، فالعقل و المنطق يشيران الى قضايا مهمة في واقع حياة الأمم التي تحيي عاشوراء يجب أن تثار و يلتفت اليها، فهل من المعقول أن تكون ثورة سيد الشهداء عليه السلام تنبع من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ثم اننا ننعزل عن الناس و نتذاكر الطرائف و القصص فوق المنابر و تحتها؟

هل من المعقول أن يتحرك سيد الشهداء الى الكوفة نصرة للمظلومين الذين استنجدوا به، و رفضا للطاغية يزيد و حكمه الجائر ثم اننا لا نذكر دماء المظلومين في فلسطين و غيرها؟ بداعي ان في الحسينية لا نذكر غير أهل البيت عليهم السلام! و هل أهل البيت يرضون بذلك؟ و عين ذلك ينطبق على جميع الشعائر المعروفة مثل اللطم و الشعر.

قد يقول أحدهم أن الناس يختلفون، منهم العالم و منهم الجاهل و منهم العارف و المثقف و منهم المحتاج الى التذكرة و الموعظة، لكن هل هذا يسوغ لهم جميعاً أن يحضروا المجالس التي لا تحاكي الواقع ولا تحرك النفوس و لا تستثير الهمم ولا توقظ الأذهان؟ فإلى متى يبقى أصحاب الضمور الذهني على ضمورهم؟ و إلى متى يبقى المتقاعسون على تقاعسهم؟

في هذا الزمن لا أجد الا القليل ممن يلم شمل كربلاء للناس، و لكي لا أخرج من هذا الموضوع خالي الوفاض أنصح بالاستماع الى الشيخ الدكتور فاضل المالكي لعل في خطاباته ما يوقظ حرارة النهضة الحسينية، و هنا قد يستشكل علي أحدهم أنه قد يصير الى ما يشابه من تنعتهم بالمنابر غير المؤهلة، نعم فأنا لا اعلم الغيب و الى ذلك الحين انا انصح به
.

Tuesday, 28 October 2008

الجنة

Heaven


هل الجنة هي اشباع الغرائز و الحاجات، و طرد الخوف، و رحيل الأحزان؟
أما أنها تجسد لأعمال الدنيا في طبيعة مختلفة؟

هكذا يقولون، الآخرة تجسد الأعمال، فالجزاء من جنس العمل، و كل عمل له صورة دنيوية و صورة أخروية حقيقية.

هي تحقيق للعدالة، و أفضل و أكمل عدالة عندما تكون الأعمال و النيات متجسدة أمامنا، عندما تصبح الميزافيزيقيات مرئية تصير الأمور اكثر وضوحا و جلاء، فتكتمل العقول، ولا مكان للجهل حينها.

كمال العدل عندما نرى جميع الحوادث بأعيننا، عندما نرى تكون صور أخرى مناسبة للأفعال التي نتصورها في الدنيا كما يحلو لنا.

في الآخرة نرى العمل القبيح، و الكذب و الظلم و النية السيئة بأشكال و صور قبيحة، و بالمقابل نرى الجمال كما ينبغي، جمال التضحية التي تصور في الدنيا تخضب بالدم، سنراها في الآخرة بأبهى صورة، عندها سيحق لنا أن نقول عن منظر الحسين الغريب الخضيب السليب بأن"وجدتك في صورة لم أرع بأعظم منها ولا أروع".

عندها سنقول فعلا "ما رأيت إلا جميلا"!




Monday, 20 October 2008

جمال و القرضاوي


ردود أخرى جديدة على القرضاوي، و هذه المرة بقلم الكاتب الفذ الدكتور عبدالمحسن جمال، الذي أبدع بصياغة رده الرفيع. هذه المقالة كتبت في جريدة القبس بتاريخ 13 اكتوبر و كانت بعنوان "العولمة الدينية"، وفر لي فيها الكثير، خصوصا عند الحديث عن أكبر كنيسة في المنطقة و المزمع انشاؤها في قطر، هل يعلم عنها القرضاوي؟


المقالة


انتشار الفكر والافكار في العالم لم يعد حكرا على أحد، بل ان التكنولوجيا الحديثة فتحت الأبواب مشرّعة أمام كل صاحب فكر وعقيدة ومذهب، فالانترنت فتح أبوابه للجميع، وما عليك إلا أن تعبر عن رأيك وسيسمعك من يريد في هذا العالم الرحب الواسع، وكذلك فعلت الفضائيات التي بدأت تتسع وتتسع لدرجة انه بات الانسان يعجز عن ان يتابعها جميعا، وبالمستوى نفسه، ولكن بتكاليف أكثر لعبت الهواتف النقالة ومسجاتها دورا هي الاخرى في توعية الناس.من هنا فإن الفكر لم يعد أحد يستطيع ان يوقف انتقاله، وما محاولة البعض ايقاف الـ«يوتيوب» الا واحدة من هذا

من هنا فوجئ الناس بالعموم والمسلمون على وجه الخصوص بآراء الشيخ يوسف القرضاوي الذي يملك على الانترنت «اسلام أون لاين» وتستضيفه قناة الجزيرة بشكل متواصل، فوجئوا به وهو يهاجم انتشار الفكر الاسلامي الذي يتبنى مذهب أهل البيت عليهم السلام، واعتبر ذلك غزوا لبعض الدول التي تتبنى الفكر الاسلامي من خلال المذاهب الاربعة السنية.. لم يصدق الناس أنفسهم لأن الشيخ القرضاوي سمح لنفسه بالتعبير عن رأيه كيفما شاء من خلال الانترنت والفضائيات، ويريد الحجر على غيره، بل انه يريد منع اي مسلم من الأخذ بالمذهب الذي يريده.. والعجب هنا ان المذهبين الشيعي والسني هما في دائرة الاسلام الاكبر فماذا يضير اذا تحول مليون مسلم شيعي الى التسنن، أو تحول مليون مسلم سني الى المذهب الشيعي، أليسوا كلهم يتحركون ضمن دائرة الاسلام الواسعة؟

ولعل العولمة اليوم هي التي جعلت الكثير من دول الخليج تتجاوب مع إقامة وانتشار الكنائس فيها احتراما لأتباع الدين المسيحي الذين يعيشون بيننا، ففي دولة قطر على سبيل المثال يتم بناء أكبر كنيسة في المنطقة، وسيكون لها تأثير كبير على تفهم المسلمين للدين المسيحي، فهل يعتبر ذلك غزوا مسيحيا للمسلمين؟.. والناس اليوم بدأوا يتبادلون الافكار والحوارات والنقاشات من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة، وأصبحوا متعطشين لسماع الرأي الآخر أنى كان ومن أيٍ كان

ولعلنا في الكويت نعيش منذ القدم متحابين متعاونين سنة وشيعة ومسيحيين دون أن نتأذى بمن يتأثر بهذا الفكر أو ذاك الفكر، وقد تكون التجربة الكويتية في التعايش السلمي بين المذاهب والأديان، وخاصة مع وجود حوالي مليوني انسان مقيم ينتمون الى 120 دولة، ويتبعون كل الأديان، هي أفضل تجربة، ومع ان البعض من المقيمين تحولوا الى الدين الاسلامي من خلال جهود جمعيات ومنظمات محلية فإننا لم نسمع من احد من دولهم ان يعتبر ذلك غزوا.. لأن الفكر للجميع ومن حرية الانسان وحقوقه ان يأخذ الفكر الذي يريده. «إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل»


Tuesday, 9 September 2008

اطـعمـوا أسـيركم


عندما كان علي عليه السلام خليفة المسلمين، كان يقسم العطاءات و الرواتب، و بعد حرب صفين،جاء اليه عبدالرحمن بن ملجم المرادي، وهو حين ذاك خارجي يجاهر ببغض أمير المؤمنين عليه السلام، جاء ليستلم عطاءه، عرفه علي عليه السلام، فزاد من عطائه لسبب ما.

في الشام كان لمعاوية بن أبي سفيان حكم ذاتي، و كان يجاهر أيضا ببغض علي عليه السلام، و عندما حصل معاوية على الخلافة أمر بسب علي عليه السلام على المنابر في الخطابات الرسمية و ربما في غيرها.

عندما سقطت دولة الأمويين و حصل بنو العباس على الخلافة، كان خلفاؤهم يقتلون أبناء و أحفاد علي عليه السلام، و كان الكثير منهم يسبه و ينتقص من شأنه في مجالس بلاطهم.

بالنسبة للخوارج، فقد كانت قيادتهم تعيش في الكوفة، حيث يعيش علي! و كانوا يحضرون الصلاة و الخطب، و يستلمون معاشاتهم، و يشترون و تباع لهم المؤن، لم يتم عزلهم، لكنهم على الرغم من ذلك كانوا ارهابيين، قتلوا عبدالله بن خباب بن الأرث ابن الصحابي، و قتلوا زوجته و الجنين الذي في أحشائها، و كانت هذه العملية الإرهابية إعلان الحرب على علي عليه السلام.

عندها قام علي كما قام سابقا في بدر و في غيرها، كما جهز جيشاً لإعادة الحرب في صفين، رداً على إغارات معاوية على معسكرات الكوفة، و ما أثار الإمام عليه السلام هو الهجوم على امرأة يهودية و نهبها من رجال معاوية، و المرأة اليهودية كانت تسكن في نطاق الكوفة و تدين بالولاء لحكومة علي عليه السلام كمواطنة.

عقيل بن أبي طالب هو أخو الخليفة، كان فقيراً، و هو ممدوح من قبل الرسول (ص)، جاء عقيل الى علي عليه السلام يطلب من بيت مال المسلمين قرضاً، فأدنى منه علي حديدة محماة، إشارة لرفضه، و تذكيراً بيوم القيامة و نار حامية و جنة و آخرة، و عقيل أخوه، و قيل ان ابنة لعلي عليه السلام قد اقترضت عِقدا من بيت المال لتتزين به في زفاف، و تركت مقابله رهنا يعادله في بيت المال، فما استحسن علي ذلك، و تأكد من وجود الرهن في بيت المال.

عندما جاء عبدالرحمن بن ملجم في المرة الثانية، جاء ليغتال علياً عليه السلام، و فعل، و ظل علي عليه السلام جريحاً إثر ضربة سيف ابن ملجم ليلتين، في هاتين الليلتين كان ابن ملجم محبوساً حتى يحاكم، في هاتين الليلتين قيل أن علي لا يشرب اللبن كله، فيترك شطراً لقاتله ابن ملجم و لم ينسه، و كان يقول لمن معه "اطعموا أسيركم
".

Saturday, 6 September 2008

الكمال العلوي


صفة الإنسانية التي شرفها الله سبحانه و تعالى ليست أمرا خالصاً، و تشريفها ليس من ذاتيتها، بل بكمالاتها، النفس الإنسانية الأكثر كمالاً تكون أكثر شرفا، بينما النفس التي تغرق نفسها في أوحال الغرائز و الشرور تكون أكثر خبثاً مما هو في العادة أقل تشريفا من الإنسانية، لذلك كانت النفس الإنسانية متغيرة الحال و المرتبة بشكل متفاوت.

القيم و المبادئ التي ترفع قيمة الإنسان يجب أن تكون حاضرة في سلوكه، فإذا ما اقترنت المعرفة بالعمل صار الإنسان أكثر كمالا و قيمة.

علي بن أبي طالب عليه السلام، له أثر أدبي جمعه الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة، يقول في طيات خطبته الأولى:

أول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به.و كمال التصديق به
توحيده.و كمال توحيده الإخلاص له.و كمال الإخلاص له نفي الصفات
عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة كل موصوف أنه غير
الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه.و من قرنه فقد ثناه.و من ثناه فقد جزاه.ومن جزأه فقد جهله.و من جهله فقد أشار إليه.و من أشار إليه فقد حده.و من حده‏ فقد عده.

هذا الكلام ينم عن علم جم لايرقى إليه مرتق، و عادة يتصور لنا أن من يصدر منه مثل هذا الكلام شخص جالس في إحدى زوايا بيته يفكر و يكتب و يقرأ و لا يبرح مكانه، لكن الحقيقة هي أن قائل هذا الكلام إنما هو نفسه حامل السيف، و نفسه الذي كان على رأس دولة مترامية الأطراف.

لقد تجلى العلم و تجلت المعرفة في سلوكه عليه السلام، فكان سلوكه متناغماً تماماً مع ما يطرحه، و كانت لذلك القيمة الإنسانية فيه في أعلى مستوياتها.

أردت أن اصنفه خارج نطاق الدين، فوجدته سابقا للفلاسفة، راجحاً على أساطير القتال، متفوقاً على الملوك في الحكمة و العدالة. فلم أجد أنه ينطلق ضمن نطاقات بشرية، بل هو صاحب قضية و رسالة إلهية، إذ كلما ارتفعت الأهداف كلما ارتقت مبادئها في سلم القيم و المبادئ، و لما كان علي عليه السلام متفوقاً في مبادئه و أهدافه أدركنا أن نطاقها أوسع و أشمل، و لما أن شاهدناه مضحيا أدركنا أنها لا تختص بالدنيا، و لما أدركنا أنها لا تختص بالدنيا علمنا أن أهدافه و مبادئه ليست من صنع الناس بل هي ملهمة من الله تعالى، فهي مبادئ إلهية.

Monday, 18 August 2008

يا أغـلى بـدر



أنا لا أكرر أقوالي، فالحقائق في العالم ثلاث، الله، الانسانية، الرسالة، يجب أن نجد طريقاً يحل لنا اشكالية العلاقة بينهم.ما ان تحل هذه الاشكالية تصير الحياة متناسقة، و تصير الأهداف واضحة و صريحة.

مادامت الحقائق قليلة، فالكلام يقل، و اذا تكلمنا كثيراً... كررنا، و إذا لم نكرر فإننا نذكر و نؤكد، الله تعالى خلق الإنسان و جعله أفضل المخلوقات، اقدرها على التكامل و العلو، الله الخالق، هو الرب، هو الإله. الانسان خلق لكي يعيش سعيدا، و لكونه أفضل و أشرف المخلوقات فقد أعطي حرية الاختيار، فحرية الاختيار مقدسة و مهمة، لذلك يجب أن تعطى للإنسان حريته.

الله هو الخالق، هو الرب، هو الإله، الانسان خلق ليعيش سعيدا، و هو أفضل و أشرف المخلوقات، و له حرية الاختيار، و من يملك حرية الاختيار يجب أن يتحكل نتائج اختياره، و إلا كان اعطاؤه الاختيار عبثاً.

الله هو الخالق، هو الرب و الإله، الانسان خلق ليعيش سعيدا، وهو أفضل المخلوقات و أشرفها، له أن يختار و يتحمل نتائج اختياره، لكن الله تعالى لم يتركه وحيدا يصارع غرائزه، انما بعث له الرسائل و الدلائل لسعادته، تلك الرسائل يحملها الأنبياء و أوصياء الأنبياء.

الله هو الخالق و الرب و الإله، و الانسان خلق ليعيش سعيدا، وهو أفضل و أشرف المخلوقات، و له حرية الاختيار و يجب ان يتحمل نتائج اختياراته، و قد ساعده الله تعالى بأن بعث له الانبياء يحملون الرسائل لهدايته نحو السعادة، و تلك الرسائل تقول أن طريق الخير هو طريق السعادة.

طريق الخير، هو الطريق الذي جاء به الانبياء، وهو يفرض حرية الانسان ان يختار، و يؤكد على أفضلية الانسان، و ان الانسان يجب أن يفعل الخير لغيره من بني الانسان، و هذا لكي ينال الانسان قيمته الحقيقية التي جعلها له الله تعالى و فضله بها على جميع المخلوقات، و بهذا الطريق يقترب الانسان من الله تعالى، و قرب الانسان من الله يحقق له الكمال و السعادة، فالله هو الخالق و هو الرب و هو الإله.

و هكذا ندور في حلقة القيم و الحقائق الثلاث، أما الوطنية، و الانتماء و الأسماء و الألوان و الأموال، و جميع العوارض ماهي إلا مظاهر تحكمها الظروف، زائلة بزوال الظروف، و تبقى الحقائق الثلاث، ما قيمة الوطن و ما قيمة غير الوطن أمام الحقائق الثلاث؟

ألهمني البدر هذه الكلمات، فالمنقذ الذي يحقق العدالة الالهية في آخر الزمان دليل على أن طريق الخير هو الذي يحقق سعادة الإنسان، إذ يجرب الناس هذه السعادة في آخر الزمان فلا تبقى لديهم حجة.

Tuesday, 8 July 2008

الدين الأسـير



التجديد أمر لابد منه، و إلا صارت الحياة رتيبة مملة، لا يفكر الكثير من الناس إلا بما يفكر به غيرهم، فنرى أننا في بعض الأحيان نخشى تحريك الأثاث بطريقة مختلفة، و نخشى التلويح بتغيير بعض المعتقدات الغابرة، و ذلك الخوف لا دليل له، إنه مجرد الخوف من المجهول.

المعتقدات الدينية التي تقبل الاختلاف بالرأي تقبل التغيير، الكثير مما يسمى بمعتقدات هي في حقيقة الأمر عادات و ليست معتقدات، لقد امتزج الدين بالكثير من العادات الاجتماعية مما انتج العديد من التسميات الجديدة للأديان تبعاً للمجتمعات التي ساهمت بالتغيير .

يجب أن ننتبه و نلتزم بالدين الحقيقي الذي نزل من السماء، و لا أرى ذلك إلا بالحركات التغييرية و التفكير خارج الحواجز التي اختلقها الناس، المشكلة أن الشعائر الاجتماعية التي يتوهم الناس أنها شعائر الله تخلق طقوساً يعتقد الناس أنها في صميم الدين الذي نزلت به الملائكة، لذلك يكون الناس أكثر لصوقاً بها.

و المشكلة الأكبر أن العديد من تلك الطقوس تفرَض على الأديان بالقوة، ممارستها بشكل مستقل قد لا يضر الدين، لكن ربطها بالدين و الإيحاء بأنها مشرعة من الله تعالى سيؤثر سلباً على الدين، لأن الأديان يجب أن تكون ذات هدف، و أي تشريع في الدين يتعارض مع السير نحو ذلك الهدف سيعني التناقض، و الأديان بحاجة لأن تكون مستساغة عقلياً.

الحركة التغييرية و التفكير بلا تحجر سيحرر الدين من العادات الدخيلة و الغريبة التي ارتبطت به. الأمر بحاجة للقليل من الشجاعة.

Thursday, 3 July 2008

البوسنة المسلمة لا تحب المسلمين


قال لي مهندس من البوسنة أنهم يعانون من بطالة تصل الى 70 في المئة من القادرين على العمل، و البوسنة المسلمة ليست منقطعة عن العرب و المسلمين، إذ يصلها الكثيرون سواء من الخليج أو غيره، لكننا نعاني من جهل هؤلاء العرب الذين يزوروننا.

البوسنة بلد مسلم، عانى من الحرب التي درات رحاها كثيرا و عطلت الكثير من الثروات التي تزخر بها سراييفو، و الآن بعد أن وضعت الحرب أوزارها، بدأ البوسنيون يعيدون بناء بلادهم، و كل ما يحتاجونه هو رأس المال الذي يعيد تشغيل الثروات، لكن عجلة التنمية ساكنة لعدم وجود رأس المال.

في البوسنة الكثير من الموارد البشرية، لكن ما ينقصهم هو تشغيل هذه الموارد، و وفقاً للمهندس البوسني، فإن الناس هناك لا يمانعون أن يعملوا بأجور زهيدة، فهذا أفضل بكثير من البطالة التي تكتنف المشاكل و الجرائم، لكن ما الذي يفعله أهل الخير من المسلمين؟

إن اللجان الخيرية و أصحاب الأموال الخليجية الضخمة يبنون المساجد، و لا شيء غير المساجد، إن البوسنة دولة أوروبية مسلمة أريد لها أن تغير هويتها، فقام المسلمون الخليجيون و العرب و الإيرانيون بالحفاظ على هويتها الاسلامية ببناء المساجد، و إن أراد أحدهم أن يغير من النمط العام للتبرع فأنه سيبني مستشفى.

لكن يظهر أن ردة الفعل البوسنية لم تكن في صالح المتبرعين، إذ أدى ذلك إلى نفور من كثرة المساجد و كثرة البطالة و المشاكل المعيشية، صار أحدهم يربط بينهما بشكل عفوي، فإنهم بحاجة الى المصانع و الشركات التي تشغل أبناءهم، عندها سيكونون أكثر تفرغاً لملء المساجد، كانت البوسنة منتجة لخشب مميز في صناعة الأثاث، لكن بعد أن دمرت الحرب مصانع الأثاث، جاء المسلمون و بنوا المساجد الكبيرة، و جاء الألمان و أعادوا بناء مصانع الأثاث!

البوسنيون ممتنون للألمان، و لا يشعرون بفضل الأموال الخليجية عليهم، بل إنهم لا يعيرونها اهتماماً، فهم يشعرون أن الخليجيين إنما أرادوا فرض التدين عليهم فرضاً، البوسنيون لم يتركوا دينهم في أشد الظروف، لكن الخليجيون لا يسمعون شكواهم ولا يعرفون الأولويات، كل ما يريده الخليجيون هو إشباع غرورهم الديني غير آبهين لنداء الإنسان.

Saturday, 7 June 2008

احتكار الحق و الحقيقة



لكي لا نعيش في سجن، لكي نستطيع أن نقول ما نشاء و نكتب ما نشاء و نبدي من آرائنا ما نشاء، لكي نستطيع أن نعبر عن خلجاتنا و نبدي سوءات النواقص، و لكي نستطيع أن نزيح الستر عن الإضاءات المشرقة التي حولنا، لكل هذا يجب أن نعيش في فضاء حر يستمع لما نقول و يقبل ما نقول، و في نهاية الأمر يفهم ما نقول.

مسألة الحرية لا تتعلق بالتشريعات و القوانين، إنها خاضعة لعقليات البشر، إذا لم يكن الطرف الآخر مستعد للإستماع فما من داع لندب الحريات و تنظير التعايش، لابد للمجتمعات التي تريد أن تكمل مسيرة التنمية أن تلتفت لقيمة التعايش و التقبل للآخرين، مهما اختلفت الرؤى و القيم و العادات و التقاليد.

إن القوانين تقبل الجرح و التعديل على كل حال، و الدول تكتب دساتيرها بما يتناسب مع ثقافتها، و تشرع قوانينها بما يتلاقى مع أغلبية مجتمعاتها، لذلك كانت الديموقراطيات تسير وفق النسب و الكثرة العددية، مع حفظ حقوق الأقليات، لأن الديموقراطية كحكم عقلي تؤمن بشكل ضمني باختلاف الثقافات و تعدد الجهات في كل الشعوب، أرى أن الديموقراطية لا تتعارض مع الحكم الديني أو الثيوقراطي، إذا ارتضت ذلك الأغلبية، و سار الشعب بهذا الاتجاه، كل ما يجب أن يؤمن فيه مدعوا الديموقراطية و الحريات هو أن خط الحريات و خط الديموقراطية لا رجعة فيه.

لقد اختار الشعب الكويتي مجلس أمته ليكون ذا مظهر ديني قبلي، لنرض بهذا الاختيار، و لنتعايش مع آراء من يريد لغير الدين أن يسير الأمور، حتى ولو كان الشعب الكويتي ممسوخاً، فيتصرف بتحرر، و يختار بتدين، فتلك آراؤه التي ارتضاها لنفسه، وهو مسؤول عنها، ولا أحد له الحق بأن يصادر آراءه.

لو كان المجتمع متكوناً من رأي واحد، و ثقافة واحدة، و دين و مذهب واحد، لانتفت الحاجة لوجود العقل، و لكان الإنسان آلة تسير وفق ما يراه لها خالقها، و لتعرضنا لشبهة العدالة في الكون، أن لماذا نرى بعض الناس سعداء و آخرون تعساء، لماذا بعضهم أغنياء و آخرون يعيشون القهر و الظلم إذا كانوا جميعاً آلات مخلوقة لتعيش مصيراً واحداً؟ حتى القطاوة يتهاوشون و يختلفون، إذن من حق الانسان أن يعيش الاختلاف و يحدد مصيره الدنيوي و الأخروي بمحض إرادته.

فالمجتمع يحتوي الاختلاف في ذاته، و يتحرك متفاعلا مع اختلافات عناصره، و جاءت الديموقراطية كحل عقلي لاحتواء الاختلاف، و لأجل التنمية و التطوير و التقدم على الصعيد المادي لا على الصعيد الإنساني، الانسان هو الذي ينشئ الديموقراطية و يهيء أجواء الحرية لبلاده، لا القانون، القانون صيغة يتفق عليها المختلفون لتنظم اختلافهم بحيث لا يتصادم مع التقدم و التطور العام للمجتمع.

إذن، تطوير العقل الإنساني، و ثقافة القبول للآخر، و الاستماع لما يقول سيؤدي الى التعارف بين الثقافات، الخطوة التي تليها هي حوار الثقافات و الحضارات، و التي تليها هي وحدة الحضارات، لا كما يرى ذلك فوكوياما، بل بشكل أوسع و أشمل، بحيث يدور الانسان في فلك الثقافة الصحيحة و المنهج الصحيح، و ليس في ذلك تناقض مع مبادئ التعارف و الحوار و التعايش و تقبل الرأي الآخر، فتعدد الآراء لا يعني أن جميعها صحيحة، بل الأرجح صحة رأي واحد، صحة الحق، و الإنسان في سيره يجب أن يتجه نحو الحق و الحقيقة.

إن الحق واحد، لا يمكن أن يكون المتهم مجرما و بريئا في نفس الوقت، ولا يمكن أن يكون الحجاب واجبا و محرما في نفس المكان و الزمان، لا يمكن التناقض في في الحق، الحق لا يتجزأ، و الحقيقة واحدة في كل حالة، الرأي المثالي هو الذي يجب أن يسعى الإنسان ليأخذ به، لكن ليس له الحق أن يحتكره لنفسه، لا يذهب الانسان الا الى ما يراه هو الحق، لكن لا يرفض الآخرين و يرفض الاستماع لآراءهم لمجرد اعتقاده أنه هو الأصوب، لأن علم الانسان في نهاية الأمر ناقص و تجريدي، ولا يفسر جميع الظواهر ولا يتطلع على كل الأمور على حدة.

رفض الآخر، و احتكار الحقيقة لأنفسنا، و إغلاق آذاننا عن ما يقوله الآخرون سيؤدي بلا شك الى الجهل، إلى أن نكون جاهلين للرأي الآخر الذي قد يكون هو الحق و نحن لا نعلم، و الإنسان عدو ما يجهل، لذلك ينتج الصدام و الصراع بين الثقافات و الحضارات، إنه لعدم تقبل الرأي الآخر، هكذا كانت الأقوام التي ذهبت الى مزابل التاريخ الى غير رجعة، هكذا كان قوم نوح، لا يريدون استماع آياته، لذلك و بكل بساطة اتخذوا نوحاً عدواً لهم، و هكذا الكثير ممن نعرفهم، إنهم قوم نوح بيننا يعيشون، و في يوم ما سيغرقون، لا تحت أمواج البحار، بل تحت أطمار أحقادهم.

Friday, 23 May 2008

الديـن عندما يقـتــل



قرأت كتاباً يدعي بأن الدين ليس أفيوناً للشعوب فحسب، إنما هو محفز فوق العادة للحروب، و ذكر لذلك شواهد متينة، ففي زماننا الحاضر على اقل التقادير، حيث نعلم مالذي يجري من حولنا و نراه مرآى العين، نجد أن أغلب الحروب إنما قامت على أساس ديني، أو بسبب الإحتكاك الديني عند نقاط التماس الجغرافي.

مثال على ذلك الحرب التي دارت في التسعينات في يوغوسلافيا، عندما تم تحرير كوسوفو من مذابح الصرب، إذ أن الكاتب عايش تلك الأحداث عن قرب، و تلمس الطابع الديني للحرب، فكوسوفو ذات أغلبية مسلمة، و كذلك الحرب التي دارت في البوسنة قبلها، و الشيشان مع روسيا، حيث نقاط تماس الاسلام مع المسيحية.

و القتل الذي كان دائراً و مازالت تبعاته مستمرة في العراق، أساسه ديني مذهبي، فالعراق نقطة تماس جغرافية بين التشيع و التسنن الإسلاميين، و لبنان تلتقي فيها الديانات الثلاث، المسيحية و اليهودية و الإسلام، و مازال اللبنانيون في حالة قلق، فالحرب هناك تنشب بين ليلة و ضحاها.

كذلك الحرب الأمريكية في افغانستان، فسببها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، و التي ما كانت لتحدث لولا الدين، إذن فالدين هو السيف الذي تقاتل فيه البشرية و تسفك فيه دمها.

إن وجهة النظر تلك صحيحة الى حد ما، لكن الواقع يدفع بوجود سبب آخر للقتل، وهو المال، كثيرا ما تعني الزيادة في الرقعة الجغرافية للدولة زيادة في الموارد الطبيعية، و بالتالي زيادة في الأموال، و كثيراً ما تفسر الصراعات في الشرق الأوسط الى وجود منابع النفط فيها.

لكن إذا أخذنا بوجهة النظر الأولى، وهي أن الدين هو سبب الحروب، فإن تفسيراً يتبادر الى الذهن عند النظر في أسباب العنف البشري، تفسير العنف هو في حقيقته الضعف، أو الشعور بالخوف من الضعف و الحاجة، عندما يشعر أحدهم بأن دينه في خطر، فإنه يبادر الى درء ذلك الخطر بالطرق الدموية، لكن المؤمن بالأحقية العقلية لدينه لا يبادر للقتل، حتى و إن استنفد الطرق السلمية و المنطقية.

بعض تلك الطرق مشروعة بحكم بعض الأديان، لكنها لن تبرر بأي حال من الأحوال إن كانت بادئة بالقتل و سفك الدماء، لذا فالأديان ليست متساوية، نعم البشر متساوون من حيث أنهم جميعاً يمتلكون الحق للبحث عن الدين الصحيح، لكن ينبغي البحث عن الدين الذي يرفع من شأن الإنسان لا الذي يقهر الإنسان و يقتله، اليهود مثلا لا يؤمنون بانتشار الدين، فهم يعتقدون أنهم سلالة اختارهم الله، لذلك فهم لا يقومون بالدعوة لدينهم، و لذلك لا يتورعون عن قتل غيرهم، إذن فالإنسانية عندهم محصورة بفئة محددة، بينما الوضع بالنسبة للمسيحية و الإسلام يختلف تماما.

إن التصرف الأهوج لبعض المتدينين لا يعطينا الحق أن نتخذ موقفاً من جميع الأديان و المذاهب، فهي تختلف و يختلف أتباعها، و إن كانت بعض الحروب التي قامت بسبب الدين تسوغ لنا أن نكون ملحدين، فإن الحروب التي قامت بسبب المال ستسوغ لنا أن ننام في الشارع و نترك العمل و الكسب المادي.

Wednesday, 2 April 2008

فـلســفـة الـفـنـــون



بكلمة واحدة، الإنسان ناقص يسعى للكمال، و ناقص لا تعني أنه غير تام الخلقة، بل تعني أنه في وجوده محتاج مطلق، يلعب به الزمان، و يقيده المكان، تقتله الشرقة و تنتنه العرقة و تؤذيه البقة. وهو مع ذلك قابل للتكامل و ساعٍ الى سد مختلف حاجاته.

حاجات الإنسان تختلف مع اختلاف المكان و الزمان، لم يكن الانسان يحس بالحاجة لامتلاك سيارة فخمة في الزمن السحيق، كما أنه لم يعد في حاجة الى ستر عورته بالجلود غير المغزولة. لذلك فالمناهج و التيارات و الديانات الناجحة لا ينبغي لها أن تضع اتباعها في قالب محدود مكانيا و زمانيا، فلنفرض أن دينا تم اختراعه في كندا الباردة، سيفشل إذا فرض الأصواف و المعاطف لباسا دائما للبشر!

لذلك، مخطئ من يعتقد أن دينا سماويا كالإسلام يضع قيودا للباس و للشكل العام، إن دينا منزلا من الله سبحانه و تعالى، و مستمر لآلاف السنين يجب أن يراعي المتغيرات الزمانية و المكانية، فلا أصدق من يعتقد بإسلامية لباس أو لغة أو اسم. فلا أعطي أهمية للزي الديني –مع اختلافه- توازي أهمية الدين.

أصل الحجاب ديني، لكن مظهره يختلف، يقال بأن نساء عصر النبوة كن يُظهرن آذانهن، أصل الاستياك ديني، لكن المسواك قد يتحول يوماً الى فرشاة أسنان و معجون.

يراعي الدين حاجة الانسان لسد نواقصه، و لطالما كان هذا الانسان في حاجة دائمة..
في حاجة الى الجمال و الكمال، في حاجة الى الصدق و الإخلاص، في حاجة الى الحب و القوة و الشجاعة..

و بالإصغاء الى صوت التاريخ السحيق، سنسمع فنون الأجيال القديمة تصدح معلنة عن حاجاتها المفقودة، و كلما توغلنا عمقا في التاريخ، أيقنا أن الفن هو أنطق قاصٍ له. و بالنظر الى امكانيات الانسان القديم العلمية و الميكانيكية، سندرك الجهد الذي بذلته تلك الاجيال صنعا لفنونها.

ذلك لأن الفن هو النافذة التي ينظر الانسان من خلالها الى عالم الكمال و الجمال و سد الحاجات، باختصار، إنه نافذة الانسان الى الجنة، أي جنة كانت، على اختلاف المذاهب و المناهج و الأديان. تلك النافذة التي فسرت لنا مدى النقص الذي كان يشعر به الانسان، و مدى الحاجة لسد ذلك النقص. تلك الفنون كانت بمجملها للأمم غير المتدينة بأديان الله تعالى، لأن الدين الإلهي هو البوابة –لا النافذة- التي ينطلق من خلالها الانسان الى كمال الروح و جمال المعاني، و ينظر الانسان في عالمه الأخروي الى النماذج المثلى للطهارة و الجمال و الاخلاص و القوة في الله تعالى و فيمن أرسلهم.

أما غير المتدينين بأديان الله، فقد أثروا الدنيا بجمال فنونهم، و بقت فنونهم الجميلة تزهو بين أبحر الدم في الحروب التي خلدت الى جانب الفنون، و غالبا ما تكون الفنون مرتبطة بالمعابد و الأساطير، ذلك لارتباط الفن و الأديان بالحاجة لتلبية النواقص التي يشعر بها الانسان، ارتباط الانسان بالإله يلهم الانسان شعورا بالقوة و المنعة، حتى من قبائح الافعال و الماديات و الشكليات، فكانت الفنون رافدا أساسياً لإضفاء الصورة الجميلة التي يمثلها قاضي الحاجات –الإله- للإنسان. عدا بهرجة الحضارات لإثبات قدرتها.

و من هنا ندرك أن الكمالات المادية التي مثلتها فنون الحضارات السابقة، و التي تعد مظاهرا لعظمتها، إنما هي تعبير إنساني رفيع، و صرخة ألم تبوح بها الانسانية عن حاجتها للطهارة و للمثل الأخلاقية و للكمال الإنساني الفعلي. فحالما يدرك الإنسان الطريق الأمثل لسد تلك الحاجات توقف عن البوح فنيا و ماديا عن حاجته، لأنه حينها سيكون في الطريق لسدها.

Tuesday, 5 June 2007

تهجين التدين


هو خبر قرأته على جريدة الوطن في صفحة الفنون عن 3 شبان كويتيون، يقولون أنهم منشدون دينيون تقدميون، إذ انهم ينشدون على طريقة الراب أناشيد دينية تدعو للصلاة و الأخلاق و ما إلى ذلك.

ثم إنهم يدعون أنهم معتدلون غير متزمتين، و يقولون أن المتدينون غالبا ما يكونون شديدي التعامل و خشني السلوك مع الآخرين، أما هم فمتدينون منفتحون ينشدون حتى لأعياد الميلاد التي يحرمها بعض مدعي التدين.

لهذا فهم ينحون باتجاه التدين غير العنيف الذي يذوب في الآخر ذوباناً، لا الذي يتقبل و يتعايش مع الآخر، لذا نرى ملامحهم و أساليبهم لا توحي بتدينهم بتاتاً لكنما بعض مضامينهم هي المرتبطة بالدين.

لم أطلع على انتاجاتهم بشكل مباشر، و لم ألتق بهم و لم أقم بدراسة أحوالهم، لكنني أقرأ الوجه العام لهذا التوجه، انه هجين ما بين التدين و اللاتدين، إن للإسلام أسلوبه الخاص و طرقه المرتبطة به، و للمتدينين بدينه أحوالهم و أفكارهم، و للمسلم أفكار ينبغي عليه طرحها بوجهها الديني لا المشوه.

لا أدعو هنا للتزمت و التطرف و التشنج في الدين أو في عدم الارتباط بالدين، بل إنني أدعو أن يكون مجتمعنا متعايشاً بالتوازي، الأفكار المختلفة تعيش مع بعضها، و لكل منا مساحته في حريته و في طرحه لرأيه بالكيفية الخاصة به. أما ما نشاهده اليوم خصوصا في الكويت، أن الجميع يدعي التدين و الجميع يدعي عدم التدين، العلماني يدعي أنه مسلم روحيا !و المتدين يدعي أنه علماني عملياً

المجتمع المتحضر هو الذي تعيش فيه جميع الأفكار، و هو الذي يقبل كل الآخر، و هو الذي يحاور كل الآخر، لكن قبل ذلك يتعرف كل على الآخر، لا يمكن الحوار و التقبل و التعايش قبل التعرف على حسن نوايا الطرف الآخر.

...أما الخوف هو الاسلام الهجين الذي نرى بوادره في هؤلاء الشباب الصغار
أضحى هؤلاء الشباب دليلا للواقع العملي في الكويت، حيث أصبح اظهار التدين وسيلة لبلوغ ما لا يمكن الوصول إليه بغير هذا الادعاء، و صار الناس مسلكين بلاشعور لطرق المتدينين، بينما التدين و ادعاؤه ليسا المناط في تقييم البشر، و ظلم غير المتدين ليس من الدين.

Wednesday, 9 May 2007

درء الفساد عن طريق المعاد

بنظرة تجريدية الى حالة التخلف و الانحدار التي نعيش فيها، و بتمعن و تعمق و الذهاب للبعيد، أجد أن السبب الأساسي للتخلف هو عدم الإيمان بالمعاد و الآخرة، إذا اعتبرنا الفساد الاداري كأحد صور التخلف في بلادنا، كون التوغل في البيروقراطية و التمادي في القفز فوق القوانين و مشاركة باقي الناس في ذلك يؤدي بشكل أو بآخر الى انتشار حالة الفساد و بالتالي التخلف عن ركب الأمم المتحضرة و الغربية بالذات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع و اختلاف الاعتقادات و التقاليد الموروثة من بلد الى اخر، أخص بالذكر هنا الكويت كوني معني بها لا بغيرها، أجد أن المحسوبية و المحاباة أساسان جل الاعتماد عليهما في سير العمل

إن النظرة الضيقة الى الحياة و اعتبارها غير منتهية، و تضييق اهداف الانسان الى مجرد الحصول على ثروة او منصب او حتى سعادة، أدى الى القفز فوق الحواجز و تعدي الخطوط الحمراء لاستنقاذ ما يمكن انقاذه من اهداف الثروة و المنصب و السعادة مثلا

أما جعل الايمان بالاخرة و الحساب و الكتاب و الميزان حاضرا عمليا في سلوك الانسان لا بسوغ له في اي حال من الاحوال التعدي على اي حد من الحدود الانسانية، و يجعل الالتزام بالقانون جزء رئيسي في شخصيته. فلا يتعدى ولا يكذب ولا يتآمر و لا يحابي و يظلم لأن في ذلك اضرار بنفسه اولا و اخيرا

حتى اخر ما تنتجه الحضارة الغربية الرائعة لا تستطيع السيطرة على نزعة الفساد ما دام الوازع الشخصي غير مضمون في شخصية الانسان، لكمنا الحاصل هو ان الانسان الغربي اكثر ايماناً بالانسانية و حب الوطن، و هتان ركيزتان لنبذ الفساد
لكن ترنو الى بالنا مسألة هنا، و هي ان المؤمن بالآخرة و المعاد و صاحب الوازع الشخصي بأي قانون يمكننا ان نلزمه او يلتزم به عملياً؟ سنؤجل هذا الى موضوع لاحق ...
Website counter