Wednesday 30 April 2008

المرأة نصف المجتمع


المرأة و بكل اختصار إنسان، كما أن الرجل إنسان فالمرأة إنسان، اختلافهما في الخصائص البدنية و العاطفية لا يعني بالضرورة اختلافهما في الحقوق و الواجبات الإنسانية، فالجنسين في الإنسانية متساويان، ولا أرى أي داعٍ للدعاوي المباشرة و المطالبات المتكررة للوقوف عند أهمية المرأة و دورها و ما إلى ذلك.

يكفي ان المرأة نصف المجتمع، بل قد تزيد، فنحن عندما نتحدث عن حقوق و واجبات المرأة فإننا نتحدث عن حقوق و واجبات نصف المجتمع، و إن لم يؤمن أحدنا بحقوق و واجبات للمرأة أو لم ير لها أثرا فمن الذي يعمل و من الذي يملك حقوقا و واجبات إذن؟

تارة نتحدث عن أقليات أو اثنيات، و تارة يختلف الأمر فنتحدث عن مجتمع، و نفهم المجتمع على أنه وحدة متناسقة تتحرك حركة موحدة، فالمرأة في مجتمع ما لا تمثل تياراً محدداً، و لا تمثل فكرا مخصصاً، و عندما يتحدث أحدهم عن وجود مستقل للمرأة أتساءل و هل للرجل وجود مستقل؟ هل يجمع الرجال فكر أو تيار أو توجه معين؟ و يبدو هذا التساؤل ساذجاً لسببين، الأول لغرابته عن الواقع المعاش، و الثاني لتهميش المرأة في بعض المجتمعات، فيظهر و كأن الرجال هم أصحاب الرأي و هم المحركون للمجتمعات، لذلك يعتقد أنهم أكثر عرضة للاختلاف فيما بينهم من النساء.

أنا لا أنكر و لا أستهين بنضال المرأة من أجل استكمال حقوقها في التاريخ و المجتمعات، لكن ينبغي مراجعة الطرح النسائي لموضوع النضال، و الذي يجعل المرأة كياناً مستقلا و كأنه إنسان من نوع آخر، نعم تختلف أدوار المرأة عن الرجل في الكثير من الأمور، لكن الفصل الإنساني غير وارد أبداً و لذلك أرفض ’الكوتا’ التي تعطي للمرأة مقاعد محددة في المجالس، و هذا الرأي كان أحد أسباب هذا الموضوع، إذ يجب أن تكون الكفاءة وحدها هي معيار وصول الشخص الى مراكز القرار سواء كان رجلا أو امرأة.

Tuesday 22 April 2008

الاسـطوانة السنوية لدوري الأبطال


ما إن تبدأ مباريات الحسم في دوري أبطال أوروبا حتى أسمع أسطوانة يتم ترديدها سنويا، من هي أقوى دولة و أفضلها في كرة القدم في أوروبا. ثم تبدأ التحليلات و العد و الأرقام ستتطاير من هنا و هناك عن التاريخ و النتائج و النقاط و الى آخر تلك الاسطوانة، فمنهم من يقول اسبانيا و منهم من يقول انجلترا و منهم من يقول ايطاليا.

لكنني أجد أن جميع الفرق لا تلعب إلا لمصلحتها الخاصة، لا لمصلحة البلد الذي تنتمي إليه، خصوصا إذا كانت الفرق قد تمت خصخصتها و تمليكها لأي كان، ثم إن الكثير من الفرق الأوروبية تحتوي على مدرب اجنبي و نجوم أجانب لا ينتمون للبلد الذي جاء منه الفريق، ولا أعتقد انهم يفكرون في الرفع من شأن بلد الفريق بقد ما يريدون رفع شأن بلادهم.

و الكثير من المحللين يعقدون كرة القدم، و يجعلونها أكثر من مجرد رياضة فيها قدر محدود من التكتيك، فاللاعب الذي يركض أكثر و يسجل و يمرر و يسدد بشكل أفضل هو الذي سيساعد فريقه لنيل الفوز، و التبديلات الذكية و التوزيع السليم للاعبين هو التكتيك بعينه، و كثيرا ما تلعب نفسيات اللاعبين دورا هاما في تحديد نتائج البطولات.

الفريق الذي تتم مراعاة نفسية لاعبيه، و الذي يتم فيه المحافظة على مستوياتهم الفنية و البدنية، هو الأقدر على تحصيل افضل النتائج و المراكز في دوري الأبطال أو في غيره، و كل ذلك يتطلب إدارة جيدة و أموالاً كافية، و لا دخل في ذلك للبلد الذي جاء منه الفريق، إلا إذا وضعنا بعين الاعتبار أن بريطانيا ذات اقتصاد و إعلام قويين، مما يساعد على تحسين أداء الفرق و صقل المواهب الكروية، كما أن الجو العام في اسبانيا يساعد على تحسين نفسيات اللاعبين، و الدور الذي تلعبه الكرة في إيطاليا سيضيف الكثير للنوادي و الفرق الرياضية من اهتمام اعلامي و مالي.

المسألة أبسط بكثير من حصر الأرقام و النتائج و التواريخ، لا أرى أي دخل لليفربول بأداء مانشستر و لا برشلونة بتشلسي في دوري الأبطال، ولن يسمح تشلسي بأن يمر ليفربول من خلاله الى النهائي مرور الكرام لمجرد أنه فريق انجليزي من نفس الطينة، كل سيلعب لحسابه الخاص، لكن ما يثير الضحك و الاشمئزاز في نفس الوقت هو تعصب الجمهور العربي لا للفرق فقط، بل حتى لدولها، بينما لاعبو الفرق الأوروبية و دولها في واد آخر.

Monday 21 April 2008

نـفـخ النهــار الإعـلامي



يقولون بأن وقوف د حسن جوهر مع القائمة التي تضم سيد عدنان عبد الصمد و أحمد لاري و جابر بهبهاني سيكون انطلاقا من كونه في التكتل الشعبي، ثم يشككون بدخول جوهر الانتخابات منذ الأساس، و يربطون تشكيل هذه القائمة بطريقة ما بتشكيل قائمة أخرى من مرشحين جدد (فؤاد البغلي و جميل ميرزا و هاني سيد جابر)، ثم تأتي عملية التفخ و النفخ الإعلاميين، و التي تذكرنا بالنفخ التجميلي، فيقولون بأن أبرز القوائم هي التي تضم أنور بوخمسين الى جانب صالح عاشور و خليل الصالح، و يعدونها الأوفر حظاً.

أما ما يأتي بعد ذلك فيبدو أنه لزيادة حجم الخبر، ما يعنينا هو التهميش و النفخ الإعلاميين الذين مورسا في جريدة النهار، كل ذلك من أجل تكبير حجم مرشحها أنور بوخمسين، فبغض النظر عن التحليلات التي ساقها كاتبهم علي السلطان في هذا الخبر، فإن كانت القائمة التي تضم بوخمسين في الصدارة فبكل بساطة... لماذا؟ خصوصا أن هذه الجملة كانت عنوان الخبر.

فقد الخبر مصداقيته في سياسة النفخ الإعلامي التي مارستها النهار و تمارسها يومياً على صفحاتها الأولى، و قد كان أحد أسباب منع إعلانات المرشحين في الشوارع هو مبدأ تكافؤ فرص المواطنين المرشحين، فلا تطغى إعلانات أصحاب الأموال على الشارع و لا تؤثر في شعبية المرشح كما ينبغي أن يؤثر فيها الطرح الفعلي للمرشحين، لكن النهار أخلت بهذا الميزان.

أقول هذا استكمالاً لموضوع النفخ الإعلامي، ثم ليخبرونا لماذا قائمة بوخمسين و عاشور و الصالح هي الأوفر حظا لا القائمة التي فيها السيد عدنان عبدالصمد؟ و ذلك لنعرف موقعنا من الإعراب.


:الخبر
حسم مرشح الدائرة الاولى سيد جابر بهبهاني خياراته بانضمامه الى قائمة المرشحين عدنان عبدالصمد وأحمد لاري. وقام بتسجيل ترشيحه، وبهذا الحسم تكون القائمة التي شهدت تجاذباً قد حسمت واتضحت صورة التحالفات خصوصاً ان هناك من يؤكد ان النائب السابق د. حسن جوهر الذي لم يتضح موقفه حتى الآن يدعم هذه القائمة من منطلق تكتله الشعبي، على الرغم من ان وضع د. جوهر لم يتحدد بعد حيث تردد انه اعتزال الحياة السياسية ليتفرغ لحياته الاكاديمية، فيما ذكرت مصادر انه قد يغير رأيه في ربع الساعة الاخير في اطار تكتيك انتخابي يعتبره مشروعاً. ويأتي هذا التطور في الدائرة الاولى بعد ان أعلن في وقت سابق المرشحون جميل ميرزا وفؤاد البغلي وهاني سيد جابر عن ترشحهم في قائمة واحدة. في المقابل، تظل القائمة الرئيسة البارزة في صدارة القوائم وهي مؤلفة من النائب السابق صالح عاشور وأنور بوخمسين وخليل الصالح، والتي يتوقع المراقبون ان تكون حظوظها متقدمة عن الاخرى. الجدير بالذكر ان هناك مشاورات تتم على مستويات عليا في الدائرة تفيد بان هناك تنسيقاً بين القائمتين لضمان وصول العدد المطلوب من نواب الدائرة على قاعدة «النسبية» وهي القاعدة المفترض ان تنتج نواباً شيعة ولو كانوا من تيارات مختلفة يعبرون عن قواعدهم مع ان طروحاتهم مختلفة وايضاً نسبياً فهناك من يرى في الطرح الوطني قاعدة ومنطقاً، ومنهم من يرى ان العملية الانتخابية تقتضي اضافات الامر الواقع، خصوصاً ان التجارب السابقة لم تكن في مستوى الطموحات لغياب التنسيق ولكثرة مرشحي التفتيت، وعلى الرغم من ان البعض يتوقع عدم اكتمال التنسيق الا ان معلومات «النهار» تفيد ان الابواب لم توصد بعد. وان هناك استشعاراً بتقليص عدد مقاعد الشيعة في المجلس الامر الذي يتطلب تعاملاً جاداً مع الانتخابات الحالية حتى ولو كانت التحالفات غير استراتيجية ولاتنتج كتلة فئوية، وهو أمر متوقع بسبب تعدد مشارب النواب ومنطلقاتهم وأولوياتهم.

Saturday 19 April 2008

النفـخ الإعـلامي

أكثر ما يغيضني إعطاء الشيء أكثر مما يستحق، أو اضفاء روح القداسة و الإبهار على ما لا يحمل كل هذه العظمة، الواجهة الاعلامية قد تعبر عن محتوى فارغ، و يظهر هذا بكل وضوح في موسم الانتخابات، حيث تقوم زمرة كل مرشح بالنفخ فيه حتى يظهر أكبر حجما مما هو عليه، لكنه سيظل في النهاية مملوءً بالهواء، و في أقل امتحان و أضعف شوكة قد ’يفش’ و يعود صغيراً ضئيلاً بحقيقته.

هذا الأمر يتعدى الانتخابات و يتحقق في الكثير الكثير من جوانب حياتنا، حيث يكون تقييمنا للأشياء و الأشخاص تبعاً للواجهة الإعلامية و النظرة الأولى، الدقة و الفحص و التروي أساسيات للحصول على الحقيقة، و ما أجمل الحصول على الحقيقة، و للأسف فإن الشعوب العربية تتأثر كثيرا بأسلوب الخطاب المثير، و يثير حماسها الصراخ و الشعارات الرنانة، لذا كان الإعلام سلاحاً فعالاً لا يجابهه إلا إعلام مثله.

و في النهاية يبقى أصحاب الحقيقة و المنهج السليم في غنى عن الألاعيب الإعلامية و مفرقعات الإبهار التجاري، فإذا امتلكنا جريدة أو قناة و نحن على الحقيقة و المنطق الصحيح و حسن السيرة و السلوك فإننا لسنا في حاجة الى قلب الحقائق و التصغير في شأن الآخرين و تهميشهم، ولا إلى النفخ في سيرتنا و أفعالنا و أشخاصنا، عندها سيكون إعلامنا صادقاً ينقل الحقيقة للناس، إعلام تنويري، لهذا فإن قبيحي الأفعال هم الأجدر لأن يكونوا أصحاب التضليل الإعلامي و تهميش الآخرين و النفخ في ذواتهم، و ذلك إما للحصول على ما لا يمكنهم الحصول عليه لأنهم ليسوا في موقع يؤهلهم لذلك، أو للتغطية على مساوئهم.


خطر هذا الموضوع في بالي و أنا أمشي في السوق، إذ اعترضتني لافتة جميلة جدا معلقة بجانب أحد المحلات، كانت اللافتة توحي بأن المحل إنما هو مؤسسة علمية أو شركة عملاقة أو مكتبة أو متحف ضخم




!لكنه لم يتعد كونه محل برّد


Friday 18 April 2008

..و أخـيــرا



ترشح السيد عدنان عبدالصمد في الدائرة الأولى بشكل رسمي، الرجل الذي يأخذ عليه بعض الشيعة قلة اهتمامه بقضايا مذهبهم، و يأخذ عليه سراق المال العام وقوفه في صف المدافعين عن أموال الكويت، و هو بالإضافة الى ذلك طالما كان رئيساً للجنة الميزانيات و الحساب الختامي في مجلس الأمة، و هو الذي وقف ضد إسقاط القروض و مع وزيرة التربية نورية الصبيح، ضد علي الجراح و مع أحمد العبدالله.

رجل مفوه ذو منطق، صوته عال و يتكلم ببطء و وضوح، رفض الخنوع الكويتي للظالم صدام حسين قبل الغزو، أبّن عماد مغنية ظناً منه أن الحريات في الكويت أكبر مما هو متوفر، يعلم المخرج القانوني لقضية التأبين، و لربما خرج منها رابحاً، مواقفه الوطنية لا غبار عليها، وقوف جريدة الوطن ضده واضح الأسباب، و ما وقوف بعض الشيعة ضده إلا دليل على أنه رجل جلس على كرسي المجلس بعنوان النيابة عن الأمة الكويتية، نائب عن الوطن.

..الى الآن أتمنى وصوله للمجلس، و سأقف معه طالما هو هكذا، الى أن يستجد أمر ما

Thursday 17 April 2008

فلسـفـة الـثروة





تعتبر الحالة المعيشية أهم عنصر من عناصر التمييز في المجتمعات، و الطبقية من أجلى فتائل الأزمات، و ما نرى من نعمة وافرة، إلا و حولها حق مضيع، حتى في الدول الفقيرة نجد فئات في تلك الدول تملك ما لا يمتلكه أغنياء دول تعد أفضل حالا.

كثيراً ما يكون تقييم الناس للناس على أساس الطبقة الإقتصادية، بل يكون هذا المعنى في العادة جل التقييم بين الناس. تتوجه القلوب باتجاه رؤوس الأموال، و في بعض الدول يكون التمييز الطبقي وفقا للفئة الاجتماعية علاوة على الفئة المادية أو الإقتصادية. لكن تبقى الطبقية المادية مناط الإختلاف و التمييز.

السؤال هو هل وجود التمييز الطبقي بين فئات المجتمع يعد مشكلة؟

التمييز بحد ذاته أمر لا مهرب منه، و اعني بالتمييز فعلية الاختلاف الطبقي على أرض الواقع و بالارقام والحسابات، إذ أن من الناس من هو مجتهد مثابر يعمل و يتعب من أجل التحصيل، و هنالك ’التمبل’ الخامل الذي لا يجتهد في التحصيل و المثابرة، كذلك الوراثة المادية لها دور رئيسي في التحصيل، هذه اختلافات فعلية موجودة في الواقع النظري، لكن ظهور التمييز الطبقي في الواقع العملي اليومي هو الذي يعبئ الشحنات المتنافرة بين طبقات المجتمع، وهو في ذات الوقت يملأ الكثيرين بالدعة و الانقياد خلف أصحاب رؤوس الأموال، و هذا ما اقتضته الرأسمالية.

إذابة الفوارق المادية تساعد على بلورة الشخصية لدى أفراد المجتمع بغض النظر عن المستوى المادي، و قد ذهبت الاشتراكية الى تكريس قوة الطبقات الكادحة العاملة على أنها أساس الانتاج و التحصيل المادي، و قد كانت لذاك المذهب تصادمات شديدة مع المناهج الأخلاقية و الإنسانية، بالإضافة الى أن فكرة شيوع الثروة و توزيعها انما نتجت تحت وطأة الطبقية و نير الطغيان المادي، فكانت ثورة تستغل التنافر بين الطبقات الغنية و الفقيرة، و هي بتلك الحال ظلمت المجتهدين و قتلت روح التحصيل و الإبداع.

إن جوهر الإختلاف يكمن في المنهج الأخلاقي و الوجودي للناس، فإذا كان الناس خائفين على شيء ما يملكونه من الضياع و التلف، و يخشون فقدان الاعتبارات المادية، و كان ديدن وجودهم التحصيل المادي، في هكذا أسلوب للحياة يحق للناس بذل الجهد المضني و تفجير المشاعر من أجل الحفاظ على الممتلكات الخاصة، و من أجل الحصول على المنصب المادي أو الابقاء عليه، بيد أن المنهج الأخلاقي سيتعارض في النهاية مع الطرح الطبقي و إظهار الفوارق المادية بشكلها المبهر.

لذا كان الواجب على أصحاب المنهج الأخلاقي الذي يقدر قيمة الإنسانية على اعتبار أنها مصدر الكمال و السعادة أن لا يعطي للفوارق المادية أكثر من قيمتها، و أن لا يخرجها خارج حدودها، إن الثروات تنتقل و تنتقل مصادرها من يد إلى أخرى، و الموت شاهد حي بيننا على حقيقة أن العوارض المادية لا تمت لقيمة الإنسان بأي صلة، لكن ما يحصل هو أن النفس البشرية أضحت تواقة للثروة لا لذاتها، و لكن لما تحمله تلك الثروة من أذرع سلطوية، فلا يحب أحد الذهب أو ورقة الدينار أو الأرض لأنها ذهب و دينار و أرض، إنما لما فيها من كمالات اخترعها البشر و ربطها شعوريا أو لا شعوريا بالسلطة و التحكم و الراحة و الحصول على أكبر قدر من السعادة و طرد أكبر قدر من التعاسة و الحزن.

ذلك الانقياد للثروة و المادة لم يكن ليأخذ هذا الحجم من الإهتمام عند الناس لو أنهم أدركوا معنى الكمال الإنساني، بدليل عارضية الاعتبارات المادية ندرك أن الثروة لا تعبر عن الكمال الإنساني، و بتجاربنا الشخصية أدركنا أن الأموال ليست المصدر الفعلي للسعادة و البعد عن الأحزان و التعاسة، فالقيمة الإنسانية أكبر من العوارض، لذلك لا ينبغي أن تعطي الثروات لأصحابها أي قيمة إنسانية إضافية.

إن تمركز رؤوس الأموال و وجودها عند فئات تسخر العمال لتشغيلها يؤدي بشكل أو بآخر الى بناء الهرم الطبقي، لكن إظهار التميز في الطبقات العليا سيؤدي إلى أن ’يتبيغ في الفقير فقره’، فيتصور أن سبب السعادة توفر الأموال، و عندما يريد الناس المحافظة على سعادتهم التي تهبها لهم ثرواتهم و طبقاتهم الاقتصادية فإنهم سيسحقون كل من تسول له نفسه ان ينال حصة من تلك الثروة، لأنه بذلك سينال حصة من السعادة التي لا يتنازل عنها الإنسان حتى وهو بكامل إنسانيته، لأن نيل السعادة هي الهدف الأساسي. لكن عدم ربط السعادة بالأموال سيريح بال الناس من الاندفاع نحو الثروة و المادة، و لا يبقي للإنسان شيئاً بالإمكان فقدانه غير كمالاته الانسانية التي هي تحت سيطرة الجميع.




يحكى أن تماراً كان يبيع تمره في سوق الكوفة، و لتنوع أصناف التمر و جودته قام بتفريق التمر الى ثلاثة أصناف طبقا للجودة، و أراد بذلك أن يبيع كل صنف بسعر معين وفقاً لجودته، فالتمر ذو الجودة العالية يباع بسعر عال، أما التمر ذو الجودة المنخضة فيباع بسعر منخفض، حينها جاءه الإمام علي عليه السلام فقام بخلط التمر و أمره بأن يبيع تمره وفقاً لمعدل الأسعار الثلاثة، قائلا: لماذا تفرق بين عباد الله في غذائهم؟ لذلك كان يلبس الخشن و يأكل اليابس، تكريس فكرة وحدة الإستهلاك ستذيب التفاوت الطبقي حتى في ظل وجوده، وهي فكرة ذات قيمة عالية اقتصاديا و إنسانياً.

Sunday 13 April 2008

نحـن و الـقـهــوة



لم أكن أتوقع أن حب القهوة علامة مميزة في شخصيتي، الى أن قالها لي أحدهم، أشرب القهوة بشكل يومي، أحيانا اشرب كوبين من القهوة يوميا، أحدهما نهارا و الآخر مساء. شرب كوب من القهوة ينعش يومي و يرتب أوراقي، يحسسني أنني أملك يومي فأقضيه كيفما أشاء.

اختيار القهوة يوحي إلي نمط شخصية الإنسان، و أمزجة الناس قد تختلف باختلاف أيامهم، و أنا تختلف قهوتي على اختلاف مزاجي، و حالاتي، في بعض الأحيان لا أشرب القهوة، أو أشربها بأقل مقدار، و أظن الموكا هي المطلوبة في هذا الحال، في أحيان أخرى عندما يكون يومي سعيدا و مرتبا أشرب قهوة أقوى، اسبريسو، لكن في الأوقات العادية و أغلب أيام السنة يكون الاختيار المتوازن هو المرغوب، لعل اللاتيه أفضل اختيار.







اللاتيه يعد أفضل اختيار، و اكثرهم حكمة، إنه يمثل لي الشخصية المتوازنة، غير المشوبة بالمشاعر، قليل من الحليب و قليل من القهوة، الأفضل أن تكون القهوة مركزة و الحليب خفيفا. عندها ترتسم في سطح القهوة زخرفة جمالية تكمل روعة الإحساس الداخلي بجمال المنظر الخارجي.




و على الرغم من توافر مقاهي الستاربكس في جميع الأنحاء في العالم، إلا أنه يعد اختياري الأخير، فهو بالنسبة لي أسوء الاختيارات، أو هو الحل حيث لا أجد غيره، و لذلك أسباب.




ستاربكس قهوة عالمية، شعارها أحد مظاهر العولمة، يهيأ لي عند السفر، و للوهلة الأولى أن العرب أكثر البشر تأثرا بالعولمة، لانني أجد انجاذبهم شديدا لستاربكس و غيره من مشاهير القهوة، بما يعني لي أنهم منعدموا الثقافة، شعوب استهلاكية بحتة، حسنا، أنا لست ضد العولمة، بل معها، أتمنى أن تكون للعالم ثقافة واحدة و لغة واحدة و لباس واحد، فيتعامل الناس مع بعضهم على أساس إنسانيتهم، ولا يتعرضون للصدمات الثقافية و الفروقات في العادات و التقاليد، لكن ماهو دوري في إنشاء تلك الثقافة الموحدة؟

من حق أصحاب النفوذ و المال نشر ثقافتهم للآخرين، و استقطاب العالم إليهم، لكن من حقي الاختيار، يتوجب أن نختار ما يناسبنا، ليصنعوا ما يشاؤون، لكن لنختار نحن ما نشاء، و أطلق القاعدة هذه على جميع جوانب حياتنا، خصوصا الدينية و السياسية.

إن توجيه القيادات السياسية للقواعد و الجماهير أمر محبب، لأنه يجعل القرار السياسي مسؤولا لا ينبع من العواطف و المشاعر التي تقود الجماهير، أحياناً تكون القرارات السياسية غير المرغوبة عاطفيا للناس هي الحل لمشاكلنا، و العكس بالعكس، حيث تكون بعض المطالب الجماهيرية مبنية على العاطفة، فإذا اتخذت القيادات مواقفها بناء على مشاعر القواعد عندها ستفرز لنا مواقف كإسقاط القروض، مبنية على الأحاسيس و دغدغة الشعور.

إن الحالة المثالية هي أن تكون للطلائع الدينية و السياسية و الثقافية برامج عمل و أفكار محددة نابعة من العقل و الموقف السليم، بينما للجماهير حرية الاختيار و التفكير بما يتناسب مع الظروف الشخصية لكل فرد.

لهذا كان عدم اختياري لستاربكس، لأنني لا أريد أن أكون مسيرا بلاشعور، كما أن قهوتهم لا تستهويني أبدا، لأنهم لا يبذلون المجهود الذي تبذله المقاهي الأصغر حجما في جودة قهوتها، كوستا كوفي جيدة لكنها ليست بمستوى كولومبوس و التي تعد بالنسبة لي الأفضل في الكويت، خصوصا "الفريدريكوز"، قهوة كاريبو أفضل من ستاربكس و أسوء من كوستا، لكنهم جيدون في اختيار المكان.



المقهى المفضل بالنسبة لي هو "ميرلو"، إنها متكاملة بكل معنى الكلمة، للأسف لا تملك فروعا خارج استراليا، لكنها الأفضل حيث أنها تملك مصانع البن الخاصة بها "التوريفازيوني"، فهي تمثل المقهى المحلي الحريص على سمعته و المتخصص في فن القهوة. وهم دائما الأفضل في العروض و لهم تصاميمهم و ألوانهم الخاصة ، البنفسجي و الوردي و الازرق و لون الستيل، بالإضافة الى الخشب و القليل من اللون الأزرق.







القهوة الاسترالية الأخرى هي غلوريا جينز، وهي تتخذ سياسة التوسع، لكن لهذا السبب تبدو أقل اهتماما و حرصا على الجودة، فأصنفها بعد كولومبس. هكذا ينبغي أن يكون الإختيار لمذاهبنا السياسية و الدينية، من التجربة و الدراسة الشخصية و النظر عن قرب، لا أن تسيرنا القيادات وفق تشخيصاتها، ولا أن تسير الجماهير قياداتها وفق مشاعرها و أهوائها.

Saturday 12 April 2008

تحـدث عن نـفـســك


الناس هكذا... الكويتيون هكذا… الامريكان هكذا… الصينيون هكذا
على أي أساس حكمت هكذا؟

الكثيرون يتحدثون بالنيابة عن غيرهم، و يطلقون لتحليلاتهم العنان، كأنهم صانعوا هؤلاء البشر، فيبني أحدهم آراءه على أن المجتمع الغربي متحلل، و المجتمع الشرقي محافظ، من غير أن يخالط أياً منهما. فيكتب و ينظّر و يحلل و يطبق وفقاً لما يراه في مخيلته صحيحاً تصوراً لا تصديقاً، بل إنه تصور هش لا يستند على أية أسانيد.

هذا الأسلوب لا ينطبق على المواقف المتخذة من البشر و حسب، بل يتعداها حتى إلى المواد التجارية المتداولة مثلاً، و العلوم و التكنولوجيا و أغلب فروع الحياة، لا أعلم من أين جاءت هذه المواقف و التحليلات، يقول شيئا و أرى شيئا آخر!

يخالط أحدهم الغربيين سائحا في الغرب، يبتسمون في وجهه، فيحكم قاطعاً بحسن نواياهم، ثم يتعرض لسرقة فيحكم ثانيا بخبث سريرتهم، يرى بعضهم يعمل نهاراً فيحكم بنضجهم، و يرى بعضهم يتسكع ليلا فيحكم بتفاهتهم.

فأي حكم نقر، و بأي رأي نأخذ؟

لكل منا دائرة معارف قد تتقاطع مع غيره، تتكون من الاقارب و الأصدقاء و المخالطين بشكل عام، هذه الدائرة قد لا تلتقي بتاتا مع دوائر أخرى أكبر حجما و تأثيرا، عندها لا يحق له اطلاق الأحكام على البشر أو على غيرهم بغير استقراء منطقي متين، إذ يصدر العلماء الأحكام العقلائية وفقاً لتجاربهم و مبتنياتهم القائمة على أساس إحصائي، وهو بدوره قائم على أساس عقلائي، لكنهم على الرغم من ذلك يعترفون بقصور هذه الأحكام عقلياً، و يقرون أن للقواعد شواذ، وبذلك قالوا أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

إن ما يطلق عليه "ستيريو تايبنغ" يساعد الإنسان على اتخاذ القرارات السريعة و التصورات السطحية، فالنظرة التجريدية تجعل الأشياء أكثر بساطة و الأحكام أكثر سهولة، لكنه لا يعطي أحد الأحقية في التحدث نيابة عن غيره، فيقرر ما يحبون و ما يكرهون.

حتى مع الإحصاء الدقيق و التفكير العميق، النظرة الشمولية التجريدية غير ثابتة إن كانت تتعامل مع البشر، فالبشر يملكون المشاعر و القرار، لهم حرية الإرادة و الموقف، ففي النهاية هم يختارون طريقهم حتى و إن كان لا يتناسب مع القاعدة، نعم، هم هكذا عادة، لكنهم قد لا يكونوا هكذا بالضرورة.

تعـســف الفـرعـيـات



إن كان أبناء القبائل مصرين على عقد الانتخابات الفرعية، ينبغي عليهم اتباع الاسلوب الذي ذكرته في الموضوع السابق عن تجريم الفرعيات، إن الحالة الكويتية الآن تتكون من فريق يؤمن بأن الفرعيات جريمة يتوجب على الحكومة ايقافها، بينما يرى الفريق الآخر صحة الفرعيات كونها تعبير عن الحرية و الديموقراطية، على أن عقد الانتخابات الفرعية لا تمثل إلا ديموقراطية منقوصة و مبتورة.

طبقا للقانون، فإن الانتخابات الفرعية جرم و لا مناص من ذلك، و إصرار بعضهم على عقدها لا يعد إلا مخالفة لذاك القانون، و ما على الحكومة الا إيقاف تلك المخالفة و إلا فإنها لن تؤدي دورها. أداء هذا الدور لا يكون بالمظاهر المتشددة عسكريا، لأن ذلك يعد استفزازا لأبناء القبائل، خصوصا إذا ما أخذت جميع الاعتبارات الاجتماعية و التقاليدية في كيفية التعامل مع هذه الشرائح بعين الاعتبار.

فقد ارتأيت أن على الحكومة أن تبدأ بالمنطق و الحجة السليمة لاقناع وجوه القبائل المتنفذة بخطأ الانتخابات الفرعية، و البدء بالوجوه لأن الوقت يداهم الحكومة و الفرعيات قد تنظم في أي لحظة، ثم تأتي مرحلة التنوير و التوعية العامة.

تعامل أبناء القبائل مع العناصر الأمنية خاطئ أيضا بكل معنى الكلمة، فالقضية إن كانت تحل بالقوة فالغلبة و بكل تأكيد للقوات الخاصة على القبائل، فالصور و مشاهد الفيديو تؤكد ذلك، لكن ما الذي ستصل إليه الكويت من هذا العنف؟ فقانون تجريم الفرعيات أقر منذ زمن، ولابد من الانصياع للقانون الذي أقره مجلس الأمة المنتخب من قبل الشعب، فإن كنا نعتقد أن القانون خاطئ و يتعارض مع الحريات ينبغي علينا مقارعة الحجة بالحجة، لا بالحجارة!

فلا ينقص أبناء القبائل أصحاب الرأي و المناظرات و السياسيين، لماذا لا يتم تحريكهم؟ لماذا يتم تحريك صغار القوم و تحريضهم على العنف ورد الاعتبار؟ لماذا الاصرار على دهس القانون و رجال القانون و الأمن العام من أجل عيون الفرعيات؟ ما النوعيات التي أنتجتها الانتخابات الفرعية للكويت؟ دعونا نتفهم وجهة نظر القبائل، إن كانت هنالك فعلا وجهة نظر تبرر هذا الاصرار الشديد على الفرعيات.

تتهم الحكومة الآن بالتعسف في تطبيق القانون، و أنا أؤمن بأن هناك في القانون ما يمكن التغاضي عنه لدرء المشاكل،
لكن أولا يتهم أصحاب الفرعيات بالتعسف في مخالفة القانون و عقد هذه الفرعيات على الرغم من الكويت؟

Sunday 6 April 2008

تـجـريم الفرعـيـات




كنت اتمنى ان تتحول الانطباعات التي استلهمت من تصريحات الحكومة و وزير الداخلية الى خطوات ملموسة، كنت اتمنى ان تكون الحوادث التي حصلت أثناء تجمهر مجموعة من أبناء القبائل دافعاً للجدية في تنفيذ القوانين المناطة بالحكومة، و التي يفترض ان يكون قانون تجريم الفرعيات أحدها.

لا يمكن الحد من الفرعيات عن طريق التصريحات الغريبة لوزير الداخلية، و لا بمذكرات الاعتقال، هنالك من يسوغ العمل بالانتخابات الفرعية لعدم الاقتناع بتجريمها، على الرغم من أن القانون أصدره مجلس الأمة المتكون من نواب انتخبهم الشعب، و الذي يعد أنصار الفرعيات أحد مكوناته.

الحكومة لا تتكون من شخص واحد أو اثنين، فلو كانت حازمة في تنفيذ القوانين لأعملت فريقها بتجانس و استخدمت الأدوات الممكنة لضمان إيصال كامل الفكرة لمناصري الفرعيات، و ذلك كأن تكون آلية التعامل مع قضية الفرعيات كقوانين السلامة المرورية مثلا، و القياس مع الفارق.

كما ان تجاوز الاشارة الحمراء مجرم قانونا، و على الرغم من وضوح ذلك لجميع الناس ، الا ان الادارات المرورية في العالم دائما تؤكد إعلاميا على خطورة تجاوزها، و تثير الحملات الاعلامية لحث الحس المروري على خطورة التجاوز، و في بعض الدول المتقدمة يتم التركيز و الاعلان بشكل مباشر على مقدار العقوبة و الغرامة للمخالفات حتى بدلا عن الملصقات الاعلانية على الباصات!

مخاطبة الشارع، و النزول بشكل مباشر الى الرأي العام أدوات حضارية لتكريس روح المواطنة و الالتزام بالقوانين، و لاقناع الاطراف الاخرى بالمشاريع المبتغى تنفيذها، فاسطوانة عدم الاقتناع بتخطئة عقد الانتخابات الفرعية عادت للعمل من جديد، لذا كانت توعية الرأي العام الكويتي خطوة أساسية قبل الحزم في تنفيذ القوانين.

Friday 4 April 2008

في الأســفـار



الناس يختلفون، و تختلف اهتماماتهم، و تختلف امنياتهم، هذه حقيقة، و الحقيقة الأخرى هي أن في الأسفار ينضج الإنسان. لكن عليه أن يحسن الاختيار، سواء للمكان الذي يريد السفر إليه أو الزمان الذي يسافر فيه، المدة، المرافقون، الأمتعة، و الى آخر القائمة.

عندمت تسافر، خذ كتابين أو ثلاث، قد تنهي أحدهم، قد تمل من أحدهم، قد تسأم أحدهم، فتغير متى ما شئت، خذ دفترا و قلما، فقد تكتب، و قد ترسم، و قد تدون ملاحظاتك المهمة كالأرقام و العناوين. خذ كاميرا، و احرص على ان لا يغطي جمال الصورة و زاويها على جمال الذكرى، فإن ما يبقى في الصورة هي الذكرى.

اذهب الى ما لا يمكن ان تجده في بلادك، لا تذهب الى المجمعات التجارية و في الكويت تستطيع الذهاب اليها متى ما شئت، لا تذهب الى الجو المشابه لجو بلادك، اذهب الى معالم مختلفة، لا جبال في الكويت، ولا غابات ولا أنهار، فاحرص على الجبال و الغابات و الأنهار، التاريخ في الكويت لا يمتد كثيرا، اذهب الى بلاد تاريخها يضج بالحياة.

اذهب الى المعالم الرئيسية في العالم، برج ايفل، سور الصين، تاج محل، اوبرا سيدني، تمثال الحرية، الاهرامات، بيغ بن، اذهب الى حيث ترى عالما مصغرا تعيش فيه مع جميع الشعوب، اذهب الى المدن الكبيرة الشهيرة، نيويورك، لندن، باريس، بكين، طوكيو، روما، سيدني، حتى تتعرف مياشرة على الحضارة الحديثة، و لا تنخدع بما يقال عنها سلبا او ايجابا، و أضمن لك وجهة نظر مختلفة.

اذهب الى الأراضي العذراء، الى طبيعة الأرض كما وجدت منذ أن خلقت، تخلص من هموم الناس، و شوائب معاناتهم اليومية، و اغرس اقدامك في أرض لم تقطر عليها دماء ولا دموع. اذهب الى الجزر الاستوائية المترامية في أطراف القارات.

اقض وقتا في القراءة، و وقتا في الجلوس وحيدا، في الحديث مع أهل ذلك المكان، في المشي، في التسوق. لتكسب الخبرة الكافية و الحكمة المطلوبة، فأهل الخبرة الحكمة أقلنا تسبيباً للمشاكل، و ألاحظ أن أغلب المواقف السيئة التي يتخذها الناس تكون مبنية على معلومات خاطئة.

و السبب الآخر للمواقف السيئة سواء كانت مواقف فكرية او دينية او اقتصادية هو عدم تبني فكرة خاصة، إن النزول لرغبات الآخرين أمر جيد، لكن الناس تريد كل شيء، عندها سيسود التناقض حياة صاحب الموقف، و ستكون مواقفه انفعالية، لذا ينبغي على كل منا الاختلاء بالنفس، و التفكير، و بناء المواقف و الافكار وفقا لقناعاتنا، و اتخاذ هذه القناعات بشكل هادئ غير منفعل ولا متشنج.

Wednesday 2 April 2008

فـلســفـة الـفـنـــون



بكلمة واحدة، الإنسان ناقص يسعى للكمال، و ناقص لا تعني أنه غير تام الخلقة، بل تعني أنه في وجوده محتاج مطلق، يلعب به الزمان، و يقيده المكان، تقتله الشرقة و تنتنه العرقة و تؤذيه البقة. وهو مع ذلك قابل للتكامل و ساعٍ الى سد مختلف حاجاته.

حاجات الإنسان تختلف مع اختلاف المكان و الزمان، لم يكن الانسان يحس بالحاجة لامتلاك سيارة فخمة في الزمن السحيق، كما أنه لم يعد في حاجة الى ستر عورته بالجلود غير المغزولة. لذلك فالمناهج و التيارات و الديانات الناجحة لا ينبغي لها أن تضع اتباعها في قالب محدود مكانيا و زمانيا، فلنفرض أن دينا تم اختراعه في كندا الباردة، سيفشل إذا فرض الأصواف و المعاطف لباسا دائما للبشر!

لذلك، مخطئ من يعتقد أن دينا سماويا كالإسلام يضع قيودا للباس و للشكل العام، إن دينا منزلا من الله سبحانه و تعالى، و مستمر لآلاف السنين يجب أن يراعي المتغيرات الزمانية و المكانية، فلا أصدق من يعتقد بإسلامية لباس أو لغة أو اسم. فلا أعطي أهمية للزي الديني –مع اختلافه- توازي أهمية الدين.

أصل الحجاب ديني، لكن مظهره يختلف، يقال بأن نساء عصر النبوة كن يُظهرن آذانهن، أصل الاستياك ديني، لكن المسواك قد يتحول يوماً الى فرشاة أسنان و معجون.

يراعي الدين حاجة الانسان لسد نواقصه، و لطالما كان هذا الانسان في حاجة دائمة..
في حاجة الى الجمال و الكمال، في حاجة الى الصدق و الإخلاص، في حاجة الى الحب و القوة و الشجاعة..

و بالإصغاء الى صوت التاريخ السحيق، سنسمع فنون الأجيال القديمة تصدح معلنة عن حاجاتها المفقودة، و كلما توغلنا عمقا في التاريخ، أيقنا أن الفن هو أنطق قاصٍ له. و بالنظر الى امكانيات الانسان القديم العلمية و الميكانيكية، سندرك الجهد الذي بذلته تلك الاجيال صنعا لفنونها.

ذلك لأن الفن هو النافذة التي ينظر الانسان من خلالها الى عالم الكمال و الجمال و سد الحاجات، باختصار، إنه نافذة الانسان الى الجنة، أي جنة كانت، على اختلاف المذاهب و المناهج و الأديان. تلك النافذة التي فسرت لنا مدى النقص الذي كان يشعر به الانسان، و مدى الحاجة لسد ذلك النقص. تلك الفنون كانت بمجملها للأمم غير المتدينة بأديان الله تعالى، لأن الدين الإلهي هو البوابة –لا النافذة- التي ينطلق من خلالها الانسان الى كمال الروح و جمال المعاني، و ينظر الانسان في عالمه الأخروي الى النماذج المثلى للطهارة و الجمال و الاخلاص و القوة في الله تعالى و فيمن أرسلهم.

أما غير المتدينين بأديان الله، فقد أثروا الدنيا بجمال فنونهم، و بقت فنونهم الجميلة تزهو بين أبحر الدم في الحروب التي خلدت الى جانب الفنون، و غالبا ما تكون الفنون مرتبطة بالمعابد و الأساطير، ذلك لارتباط الفن و الأديان بالحاجة لتلبية النواقص التي يشعر بها الانسان، ارتباط الانسان بالإله يلهم الانسان شعورا بالقوة و المنعة، حتى من قبائح الافعال و الماديات و الشكليات، فكانت الفنون رافدا أساسياً لإضفاء الصورة الجميلة التي يمثلها قاضي الحاجات –الإله- للإنسان. عدا بهرجة الحضارات لإثبات قدرتها.

و من هنا ندرك أن الكمالات المادية التي مثلتها فنون الحضارات السابقة، و التي تعد مظاهرا لعظمتها، إنما هي تعبير إنساني رفيع، و صرخة ألم تبوح بها الانسانية عن حاجتها للطهارة و للمثل الأخلاقية و للكمال الإنساني الفعلي. فحالما يدرك الإنسان الطريق الأمثل لسد تلك الحاجات توقف عن البوح فنيا و ماديا عن حاجته، لأنه حينها سيكون في الطريق لسدها.
Website counter