Thursday 17 April 2008

فلسـفـة الـثروة





تعتبر الحالة المعيشية أهم عنصر من عناصر التمييز في المجتمعات، و الطبقية من أجلى فتائل الأزمات، و ما نرى من نعمة وافرة، إلا و حولها حق مضيع، حتى في الدول الفقيرة نجد فئات في تلك الدول تملك ما لا يمتلكه أغنياء دول تعد أفضل حالا.

كثيراً ما يكون تقييم الناس للناس على أساس الطبقة الإقتصادية، بل يكون هذا المعنى في العادة جل التقييم بين الناس. تتوجه القلوب باتجاه رؤوس الأموال، و في بعض الدول يكون التمييز الطبقي وفقا للفئة الاجتماعية علاوة على الفئة المادية أو الإقتصادية. لكن تبقى الطبقية المادية مناط الإختلاف و التمييز.

السؤال هو هل وجود التمييز الطبقي بين فئات المجتمع يعد مشكلة؟

التمييز بحد ذاته أمر لا مهرب منه، و اعني بالتمييز فعلية الاختلاف الطبقي على أرض الواقع و بالارقام والحسابات، إذ أن من الناس من هو مجتهد مثابر يعمل و يتعب من أجل التحصيل، و هنالك ’التمبل’ الخامل الذي لا يجتهد في التحصيل و المثابرة، كذلك الوراثة المادية لها دور رئيسي في التحصيل، هذه اختلافات فعلية موجودة في الواقع النظري، لكن ظهور التمييز الطبقي في الواقع العملي اليومي هو الذي يعبئ الشحنات المتنافرة بين طبقات المجتمع، وهو في ذات الوقت يملأ الكثيرين بالدعة و الانقياد خلف أصحاب رؤوس الأموال، و هذا ما اقتضته الرأسمالية.

إذابة الفوارق المادية تساعد على بلورة الشخصية لدى أفراد المجتمع بغض النظر عن المستوى المادي، و قد ذهبت الاشتراكية الى تكريس قوة الطبقات الكادحة العاملة على أنها أساس الانتاج و التحصيل المادي، و قد كانت لذاك المذهب تصادمات شديدة مع المناهج الأخلاقية و الإنسانية، بالإضافة الى أن فكرة شيوع الثروة و توزيعها انما نتجت تحت وطأة الطبقية و نير الطغيان المادي، فكانت ثورة تستغل التنافر بين الطبقات الغنية و الفقيرة، و هي بتلك الحال ظلمت المجتهدين و قتلت روح التحصيل و الإبداع.

إن جوهر الإختلاف يكمن في المنهج الأخلاقي و الوجودي للناس، فإذا كان الناس خائفين على شيء ما يملكونه من الضياع و التلف، و يخشون فقدان الاعتبارات المادية، و كان ديدن وجودهم التحصيل المادي، في هكذا أسلوب للحياة يحق للناس بذل الجهد المضني و تفجير المشاعر من أجل الحفاظ على الممتلكات الخاصة، و من أجل الحصول على المنصب المادي أو الابقاء عليه، بيد أن المنهج الأخلاقي سيتعارض في النهاية مع الطرح الطبقي و إظهار الفوارق المادية بشكلها المبهر.

لذا كان الواجب على أصحاب المنهج الأخلاقي الذي يقدر قيمة الإنسانية على اعتبار أنها مصدر الكمال و السعادة أن لا يعطي للفوارق المادية أكثر من قيمتها، و أن لا يخرجها خارج حدودها، إن الثروات تنتقل و تنتقل مصادرها من يد إلى أخرى، و الموت شاهد حي بيننا على حقيقة أن العوارض المادية لا تمت لقيمة الإنسان بأي صلة، لكن ما يحصل هو أن النفس البشرية أضحت تواقة للثروة لا لذاتها، و لكن لما تحمله تلك الثروة من أذرع سلطوية، فلا يحب أحد الذهب أو ورقة الدينار أو الأرض لأنها ذهب و دينار و أرض، إنما لما فيها من كمالات اخترعها البشر و ربطها شعوريا أو لا شعوريا بالسلطة و التحكم و الراحة و الحصول على أكبر قدر من السعادة و طرد أكبر قدر من التعاسة و الحزن.

ذلك الانقياد للثروة و المادة لم يكن ليأخذ هذا الحجم من الإهتمام عند الناس لو أنهم أدركوا معنى الكمال الإنساني، بدليل عارضية الاعتبارات المادية ندرك أن الثروة لا تعبر عن الكمال الإنساني، و بتجاربنا الشخصية أدركنا أن الأموال ليست المصدر الفعلي للسعادة و البعد عن الأحزان و التعاسة، فالقيمة الإنسانية أكبر من العوارض، لذلك لا ينبغي أن تعطي الثروات لأصحابها أي قيمة إنسانية إضافية.

إن تمركز رؤوس الأموال و وجودها عند فئات تسخر العمال لتشغيلها يؤدي بشكل أو بآخر الى بناء الهرم الطبقي، لكن إظهار التميز في الطبقات العليا سيؤدي إلى أن ’يتبيغ في الفقير فقره’، فيتصور أن سبب السعادة توفر الأموال، و عندما يريد الناس المحافظة على سعادتهم التي تهبها لهم ثرواتهم و طبقاتهم الاقتصادية فإنهم سيسحقون كل من تسول له نفسه ان ينال حصة من تلك الثروة، لأنه بذلك سينال حصة من السعادة التي لا يتنازل عنها الإنسان حتى وهو بكامل إنسانيته، لأن نيل السعادة هي الهدف الأساسي. لكن عدم ربط السعادة بالأموال سيريح بال الناس من الاندفاع نحو الثروة و المادة، و لا يبقي للإنسان شيئاً بالإمكان فقدانه غير كمالاته الانسانية التي هي تحت سيطرة الجميع.




يحكى أن تماراً كان يبيع تمره في سوق الكوفة، و لتنوع أصناف التمر و جودته قام بتفريق التمر الى ثلاثة أصناف طبقا للجودة، و أراد بذلك أن يبيع كل صنف بسعر معين وفقاً لجودته، فالتمر ذو الجودة العالية يباع بسعر عال، أما التمر ذو الجودة المنخضة فيباع بسعر منخفض، حينها جاءه الإمام علي عليه السلام فقام بخلط التمر و أمره بأن يبيع تمره وفقاً لمعدل الأسعار الثلاثة، قائلا: لماذا تفرق بين عباد الله في غذائهم؟ لذلك كان يلبس الخشن و يأكل اليابس، تكريس فكرة وحدة الإستهلاك ستذيب التفاوت الطبقي حتى في ظل وجوده، وهي فكرة ذات قيمة عالية اقتصاديا و إنسانياً.

No comments:

Website counter