Tuesday 25 March 2008

عـيـب




كلمة "عيب" لم تعد متداولة كما عهدتها سابقا، ربما لأني كنت صغير السن، و الصغار يتعلمونها فيستخدمونها لسهولتها؟ لكنني كدت أنساها و أنسى استخداماتها عندما كبرت، لم تعد ترن بها آذاننا، في الحقيقة، لقد قل استخدامها بشكل مريب.

العلماء يقولون ان الإنسان عندما يكبر سنا تزداد عنده الاعتبارات الاجتماعية، فيزداد حياء و انتباها لتصرفاته، فتصبح تصرفاته أكثر حذرا و تصبح شخصيته أوقر و ارزن مما كانت عليه في الصغر، لكن هل هذا هو واقع الحال؟

التصرفات الخاطئة توصم بأنها "عيب"، لكن عندما نكبر تتغير الكلمة إلى "فشلة" و تصرفات "تفشل"، لو القينا الضوء على الإحساس الذي تعطيه ايانا هاتان الكلمتان، و بتسليطه على الفرق بينهما، نجد أن "فشلة" تصف سوء الفعل باعتبار نظرة الآخرين إليه، بينما "عيب" التي يستخدمها الاطفال تعطي معنى اعمق!

صحيح أن الكبار اكثر وقارا، لكن ذلك لازدحام الاعتبارات الاجتماعية في اذهانهم، و لاختلاف اهدافهم المرجوة عند الاهتمام بها، إذ أن مراعاة الآخرين بالنسبة للكبار قد يكون تبعا لما يصبون إليه من أهداف ليست بالضرورة حسنة، فبالرغم من ازدحام تلك الاعتبارات الاجتماعية، هنالك ازدحام للتجارب الخبيثة و الشهوات و النزوات السيئة التي تراكمت بفعل ماديات الحياة.

عندما تصبح المادة و السلطة و عوارض الاوصاف هي ما يصبو اليه الفرد الكبير، ستغدو مراعاته للآخرين بهدف الوصول الى تلك العوارض، فتصبح التصرفات السيئة بالنسبة له "تفشل" بلحاظ الآخرين و تكون حجر عثرة أمام السعي نحو الأهداف الدنيئة منزلةً، لكن ذات العمل السيء بالنسبة للكبار لا يعد سيئا لو عُمل في المريخ حيث لا رقيب و لا حسيب.

لكن الصغار لهم كلمتهم العميقة، عندما تقال "عيب" وصفا للأعمال السيئة، فإنها لا تعطي اعتباراً عند الطفل لنظرة الآخرين، عندما يتعلم الطفل أن الأمر الفلاني "عيب" فإنه "عيب" في جميع الأحوال، هذا ما توحيه لنا الكلمة، إن الهدف الذي يصبو إليه من يعتبر العمل القبيح "عيبا" سيتعدى العوارض الزائلة، فبالنسبة له للعمل القبيح ذاتية قبيحة تفرض عليه الابتعاد عنه، فلا يخون الأمانة إن لم يكن له رقيب، و عندما يتعدى الحدود سيشعر أنه في الحقيقة أخطأ في حق نفسه، في حق سموها و تكاملها، في حق وطنه و رفعته، في حق مجتمعه و قوته، لا في حق مكانته الاجتماعية و المادية الزائلة شاء أم أبى، فنرى بعضهم ما إن يسافر الى بلد بعيد حتى يتحول الى شخص مختلف، فما إن تتغير الظروف تتغير الاعتبارات، لكن يبقى الحسن حسنا و القبح قبيحاً في عقول الساعين الى الكمال.

Sunday 23 March 2008

قيمـة الانسـان ما بين العـقـل و الـقـوة

ما الذي يقصده محمد علي كلاي من الإشارة التي أداها لبوش؟ البعض يفسرها بأن محمد علي أراد أن يقول لبوش: هل انت مجنون لتلاكمني؟! فأنا كنت من القوة بحيث انني استطيع سحق وجهك بقبضتي، و انت من الضعف بحيث انك لن تستطيع ان توجه لي لكمة حرية برئيس أقوى دولة في العالم.

لكنني أفسرها بشكل مختلف قد لا يقصده محمد علي بتاتاً، انظر الى تلك القوة التي كان يملكها محمد علي كلاي، انظر الى الملكات و الطاقات و المؤهلات التي زينت حياته، انظر اليها الآن، هكذا الإنسان، يعيش في أوج قوته و طاغوتيته، و ما يلبث إلا أن يقع فريسة الأيام، لكن ما يبقى هو ذلك العقل الذي يبقي على انسانية هذا الجسم.

لا تفقد عقلك يا رئيس أقوى دولة، يا رئيس رائدة الحضارة، اجعل عقلك دليلك، اجعله قوتك، لا تفقده لبريق الشهرة و شهوة القوة، الإنسان بعقله، لا بعضلاته، الكثير من الحيوانات تملك عضلاتا أقوى، بل هناك مخلوقات غير حية أقوى من هذا الإنسان، الجبال اصلب و اقوى، الماء مكون للبحار العميقة، الرياح، الامطار، النار...

البشر جميعا يملكون عقولا، لكن من منهم مستثمر لعقله، البشر لو تحاكموا الى القوة التي أراد بوش الاحتكام اليها لم يعد الفرق بينهم و بين باقي المخلوقات فرقا معتدا به، الانسان بعقله يصدر حكما في اي اتجاه يسير و يدعو غيره اليه، و الى اي موضع يبقي احاسيسه و مشاعره و انتماءه.

لا تركن الى القوة يا بوش، ففي يوم من الايام ستغدو أسير الضعف مثلي، يساعدوني على الحركة، و لا أمثل للناس الا ماض قد كان سعيداً، بعقلك سوف تبقى مؤثرا، بالمنطق و المشاعر الإنسانية سوف يراك حاضرا و مستقبلا أسعد من الماضي الذي كنت فيه لهم

.

فـلســفـة الأسـاطـير - المنظور الشريعتي



اعتادت البشرية منذ بزوغها على اختلاق الاساطير، و لطالما كانت هذه الأساطير مرآة للحضارات السابقة، و منبع للتاريخ القديم، لطالما عدها الكثيرون كأضغاث الأحلام، لا يعيرونها أي اهتمام، و يمرون عليها مرور الكرام، من غير التأمل فيما ترمز إليه تلك الأساطير.

تنقسم الاساطير الى اساطير ذات أسس حقيقية، لكن يتم تغييرها بحيث تصبح نماذج كاملة لا تشوبها شائبة، و أساطير مختلقة كليا كالآلهة المتعددة للإغريق.

إن النظر في الأساطير الماضية لا يدع مجالا للشك أنها انما تمثل الغلو في تمثيل الصفات التي تحتاج اليها البشرية. فالحياة الواقعية للبشر تصطدم في كثير من الأحيان بجميع أنواع التعدي على الخير، و تحفل بالشرور و الكذب و الخيانة، لكن بصيص الأمل بالأخيار يبقى حياً، الى أن تصطدم الشعوب مرة أخرى بأن أفضل نماذجها الخيرة لا تستطيع مجاراة حياة الآخرين بخيرها، و لاتعبر عن النموذج الكامل المضيء للإنسان الجميل الخيِّر القوي الشجاع الذكي و الى آخر هذه الصفات.

فتبدأ الشعوب و الحضارات باختلاق ما ينقصها و ما يشبع غليلها من أساطير تعطيهم بوارق الأمل و هواجس الحرية و القوة، و لاختلاف الشعوب و تنوعها و تعدد تواريخها، تقوم كل حضارة بصنع النموذج المناسب لها، فتصنع الحضارة الصينية نموذجها بنفس جنسها، و الحضارة الشقراء تصنع أساطيرها شقراء، و الحضارة السوداء تخترع أبطالا سود، و الحضارة المهتمة بشؤون العلم تخترع قارة "اتلانتس" العظيمة التي غرقت بفعل تجاربها العلمية.

على أي حال، تمثل الأساطير معاني الشجاعة و البطولة و الحب و الوفاء و التضحية، فينهل الناس منها تلك المعاني، و يستنجدون بأبطالها، و يتمثلون شعرا بمحبيها، لأنهم لا يجدون ذلك الحب الطاهر يعيش بين جنباتهم من غير شوائب الشهوات و المصالح و الأنانية.

تغطي الشعوب بذلك نقصها، و تنهل منه كمالاتها، لكنها في نهاية المطاف أساطير، لا ترقى الى مستوى الحقيقة، لذا صارت الحضارات الى مآلها الحالي، حيث الأساطير أضحت خافتة البريق، و قصصاً للعجائز و الجهلة!

لكن الحقيقة هي أن الشعوب في أيامنا هذه لم تعد تنشد آداب أساطيرها لا لعدم حاجتها الى الكمالات التي تختلق فيها، بل لأنها غيرت نمط حياتها، و حدود تفكيرها أضحت بالمادة و المصالح و نيل القوة و السيطرة و المال، لقد كان الانسان في بداياته أكثر تأملا في الكون، و اقل استنزافا للطبيعة، و أعمق دراسة في وجودها؛ لذلك كان أكثر حاجة الى معاني الكمال.

كان الانسان يفتقد الى ما يسهل له الحياة كما في أيامنا، لذا كان يشعر فعليا بالحاجة الى العون و السداد، بينما اصبح الانسان طاغوتا لمجرد تسهيل الحياة له، لكن لماذا بمجرد أن يكتشف الانسان حقيقة علمية جديدة يشعر بصغره في هذا الكون؟ و يطلب العون و السداد من جديد؟ ذلك لأنه تذكر الافق الواسع الذي ينتظره خارج حدود الحياة اليومية و هموم العمل و المال و السلطة.

فلطالما كان أصحاب المعاناة و خشونة العيش أكثر انتاجا و اقوى روحا من المتنازعين على السلطة و الأموال، و ذلك حاجة منهم لما يملأ نقصانهم، فكانت الاساطير إحدى أساليب طلب العون و السداد.

و ما الله تعالى بغافل عن البشرية، فالبشرية في حاجة ماسة و مستمرة للنماذج التي تعبئ روحها بالخير و القوة و التضحية، لذا، عندما أرسل الله سبحانه و تعالى الى البشر رسلا مبشرين و منذرين، كان هؤلاء في مستوى الاساطير في طهارتهم و وفائهم و حبهم و كمالاتهم، لكنهم مع ذلك في مستوى البشر في حياتهم و حاجاتهم و تعايشهم، فكان الإقتداء بهم أوقع من الاقتداء بالاساطير التي تحارب تنينا أو طائرا عملاقا، القرآن الكريم عندما يتحدث عن النبي و أهل بيته يقول

إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا


فكانوا بإرادة الله التي لا تحجزها إرادة طاهرين بجميع كمالاتهم، و يقول القرآن كذلك

وما ارسلنا قبلك من المرسلين الا انهم لياكلون الطعام ويمشون في الاسواق"


فهم بشريون كغيرهم، لذلك كان الاقتداء بهم سهلا ميسرا و كان البشر مدعوون الى مائدة الكمال من دون الاساطير الكاذبة

.

الحـكـومة الـقـويـة



إذا كانت الكويت تتجه نحو المزيد من الحرية و الديموقراطية كما هو حال مجمل دول العالم، فإن الأحزاب قادمة بلا شك، لكن الأحزاب لا تزال هاجسا مخيفا حتى للداعين الى المزيد من الحريات، و ذلك خوفا من تسيد التيار الديني على مقادير الامور. أثبتت التجربة سهولة سيطرة التيارات الدينية على الشعوب الاسلامية، و ذلك انما يحصل مع حصول الشعوب على المزيد من الحريات، إذن فالحرية هي أسهل طريق لتسيد التيار الديني.

النقطة الثانية التي تعد مدلولاً على اتجاه الكويت نحو المزيد من الديموقراطية هي اختيار الحكومة، فإن تواجد الأحزاب يعني بشكل أو بآخر تشكيل الحكومة عن طريق الحزب الحاصل على أغلبية المجلس، و بذلك تفعل المشاريع الحكومية.

إن العلة الأساسية في التنمية الكويتية هي أن الحكومة بطبيعتها ضعيفة، التركيبة الاجتماعية و السياسية في الكويت تتطلب حكومة قوية تمتلك زمام أمورها، ولا تتضعضع بأصوات النواب في المجلس، خصوصا الذين يسعون لكسب جماهيريتهم عن طريق حناجرهم.

لكن الحال في الكويت أن الحكومة تتشكل عن طريق التعيين بكامل أعضائها، و هي بذلك أقلية في المجلس، و لذا يحصل التصادم و عدم التعاون بينها و بين المجلس، و لذلك اصبحت عملية حل مجالس الأمة دارجة في الكويت.

و بين مطرقة التصادم في المجلس و سندان الحركات الدينية، أصبحت العجلة التنموية في الكويت بغير عزاء تتعزى به، لكن كعملية انتقالية، ما المانع من اختيار رئيس الوزراء بمثل الطريقة التي يتم بها اختيار رئيس مجلس الأمة؟

إذا أن في ذلك يتم اختيار رئيس الحكومة من قبل نواب المجلس جميعا، مما يحقق فيه القبول النيابي، كما أنه يعزز من دعاوي الوحدة و نبذ التحزب على أسس غير وطنية، و يحقق المزيد من الديموقراطية و تداول السلطات في الكويت، و ذلك لا يعني تهميش الأسرة الحاكمة، إذ يمكن في هذه الفترة الابقاء على وزارات السيادة كما هي.

قد يكون هنالك من طرح هذا المقترح سابقاً، و قد تكون فيه شبهات دستورية، لكن ما الخطأ في تناوله في الأذهان؟ فجميع أبناء البلد يسعون لتنمية بلادهم، لكن عدم الشعور بالاطمئنان على موارد البلاد، و وصاية بعض الجماعات أو الأسر على مقدراتها يولد التصرفات اللامسؤولة في استنزاف خيرات البلاد
.
Website counter