Saturday 6 September 2008

الكمال العلوي


صفة الإنسانية التي شرفها الله سبحانه و تعالى ليست أمرا خالصاً، و تشريفها ليس من ذاتيتها، بل بكمالاتها، النفس الإنسانية الأكثر كمالاً تكون أكثر شرفا، بينما النفس التي تغرق نفسها في أوحال الغرائز و الشرور تكون أكثر خبثاً مما هو في العادة أقل تشريفا من الإنسانية، لذلك كانت النفس الإنسانية متغيرة الحال و المرتبة بشكل متفاوت.

القيم و المبادئ التي ترفع قيمة الإنسان يجب أن تكون حاضرة في سلوكه، فإذا ما اقترنت المعرفة بالعمل صار الإنسان أكثر كمالا و قيمة.

علي بن أبي طالب عليه السلام، له أثر أدبي جمعه الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة، يقول في طيات خطبته الأولى:

أول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به.و كمال التصديق به
توحيده.و كمال توحيده الإخلاص له.و كمال الإخلاص له نفي الصفات
عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة كل موصوف أنه غير
الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه.و من قرنه فقد ثناه.و من ثناه فقد جزاه.ومن جزأه فقد جهله.و من جهله فقد أشار إليه.و من أشار إليه فقد حده.و من حده‏ فقد عده.

هذا الكلام ينم عن علم جم لايرقى إليه مرتق، و عادة يتصور لنا أن من يصدر منه مثل هذا الكلام شخص جالس في إحدى زوايا بيته يفكر و يكتب و يقرأ و لا يبرح مكانه، لكن الحقيقة هي أن قائل هذا الكلام إنما هو نفسه حامل السيف، و نفسه الذي كان على رأس دولة مترامية الأطراف.

لقد تجلى العلم و تجلت المعرفة في سلوكه عليه السلام، فكان سلوكه متناغماً تماماً مع ما يطرحه، و كانت لذلك القيمة الإنسانية فيه في أعلى مستوياتها.

أردت أن اصنفه خارج نطاق الدين، فوجدته سابقا للفلاسفة، راجحاً على أساطير القتال، متفوقاً على الملوك في الحكمة و العدالة. فلم أجد أنه ينطلق ضمن نطاقات بشرية، بل هو صاحب قضية و رسالة إلهية، إذ كلما ارتفعت الأهداف كلما ارتقت مبادئها في سلم القيم و المبادئ، و لما كان علي عليه السلام متفوقاً في مبادئه و أهدافه أدركنا أن نطاقها أوسع و أشمل، و لما أن شاهدناه مضحيا أدركنا أنها لا تختص بالدنيا، و لما أدركنا أنها لا تختص بالدنيا علمنا أن أهدافه و مبادئه ليست من صنع الناس بل هي ملهمة من الله تعالى، فهي مبادئ إلهية.

1 comment:

Unknown said...

سلمت يمناك

قال النبي (صلى الله عليه وآله): (أوتيت جوامع الكلم، وأوتي علي جوامع العلم).

Website counter