Tuesday 6 October 2009

رجال الدين


يعتمد مسلموا الشرق الأوسط كثيرا على قوة الشخصيات و مدى ما تتمتع به من كاريزما، إذ يرتبط الناس كثيراً بالشخصية التي تمثل لهم جهة الحق، و يكون هذا الارتباط شاملا لكل الجوانب العامة و الخاصة لتلك الشخصية.

و في الجهة المقابلة نجد الحالة المثالية التي تدعو الى توجيه الإعجاب الى الجوانب المشرقة فقط من الشخصيات الكبيرة، إذ جميع تلك الشخصيات تمتلك جوانب مظلمة لا ينبغي ان تكون هدامة او باعثة لترك الإعجاب بالجوانب المشرقة من أبطال الأمة.

فإن تفوق بطل الأمة القومي بأمر ما فلا ينبغي الاهتمام بما نجده من جوانب النقص في الأوجه الأخرى للبطل القومي، و كثيرا ما يصدق هذا على علماء الدين.

فللناس بالطبيعة التي جبلوا عليها ثقة كبيرة برجال الدين و علمائه، و عند النظر للوجه الشيعي من الأمة فإن الارتباط بالمرجع يتم عن طريق التقليد كخطوة أولى، و للتقليد شروط فقهية و خطوات محددة لها أدلتها الفقهية، لكن ما يثير التساؤل قبل أن يثير الاستهجان هو الارتباط العاطفي الشديد بالعالم الديني.

نعم، إن الإيمان و الورع من شروط التقليد، و هي صفات مهمة في الدين لا ينبغي التغاضي عنها، و لنقل جزافاً أن علماء الدين هو الأكثر إيماناً و تقوى نظراً لعلمهم بتعاليم الدين و زواياه و نصوصه، لكن كل هذا لا يعني بالضرورة و بأي حال من الأحوال أن يتحول هذا التقليد الى اعجاب و ارتباط عضوي.

قد لا يكون ذلك العالم بطلاً قومياً، و قد لا يكون شجاعاً أو خطيباً مفوهاً، أو مستعداً لمواجهة التحديات أو الجماهير، فالعمل الصالح شيء و معرفته شيء آخر، فقد يكون العالم أعرف الناس بأوجه الخير لكنه لا يقدم إليها، فالدافع النفسي لها أمر يرتبط بالإرداة التي سيحاسَب عليها الجميع لأنها مناط التكليف و دليل الحرية المرتبطة بوجود العقل الإنساني، إذ لولاها لصار الإنسان مسيراً مجبراً.

و هنا أعود و أقول: كما أن كمال الشخصية عند العالم ليست ضرورية، كذلك فإنها ممكنة، فقد شهد التاريخ ولادة شخصيات متكاملة بجميع أوجه الكمال الإنساني المرتبط بالقيادة الدينية كالكتابة و الخطابة و الشجاعة و قوة المواجهة بالإضافة الى العلم و الإيمان، و منها سماحة السيد القائد الخامنئي، الذي توج مواقفه الكثيرة بقوة التعامل مع أزمة انتخابات الرئاسة الإيرانية، و كان رمزاً للحفاظ على الثورة و عدم الخضوع للشارع الغوغائي، و بذلك اختلفت الإرادات التي كونت أولئك العظماء، و بذلك بانت معادن تلك الشخصيات و بان تفاوتها فمنها الرفيع و منها الوضيع، منها ما ينفع الناس و منها ما هو زبد للبحر لا يسمن و لا يغني.
و في الدين ما يدعو الى الارتباط بالشخصيات المتكاملة القليلة درءاً للإعوجاج بالمنهج و حفظاً للدين في نفوس البسطاء، و ضماناً لمسيرة الحركة الاسلامية بالاتجاه الصحيح.

No comments:

Website counter