Saturday 7 June 2008

احتكار الحق و الحقيقة



لكي لا نعيش في سجن، لكي نستطيع أن نقول ما نشاء و نكتب ما نشاء و نبدي من آرائنا ما نشاء، لكي نستطيع أن نعبر عن خلجاتنا و نبدي سوءات النواقص، و لكي نستطيع أن نزيح الستر عن الإضاءات المشرقة التي حولنا، لكل هذا يجب أن نعيش في فضاء حر يستمع لما نقول و يقبل ما نقول، و في نهاية الأمر يفهم ما نقول.

مسألة الحرية لا تتعلق بالتشريعات و القوانين، إنها خاضعة لعقليات البشر، إذا لم يكن الطرف الآخر مستعد للإستماع فما من داع لندب الحريات و تنظير التعايش، لابد للمجتمعات التي تريد أن تكمل مسيرة التنمية أن تلتفت لقيمة التعايش و التقبل للآخرين، مهما اختلفت الرؤى و القيم و العادات و التقاليد.

إن القوانين تقبل الجرح و التعديل على كل حال، و الدول تكتب دساتيرها بما يتناسب مع ثقافتها، و تشرع قوانينها بما يتلاقى مع أغلبية مجتمعاتها، لذلك كانت الديموقراطيات تسير وفق النسب و الكثرة العددية، مع حفظ حقوق الأقليات، لأن الديموقراطية كحكم عقلي تؤمن بشكل ضمني باختلاف الثقافات و تعدد الجهات في كل الشعوب، أرى أن الديموقراطية لا تتعارض مع الحكم الديني أو الثيوقراطي، إذا ارتضت ذلك الأغلبية، و سار الشعب بهذا الاتجاه، كل ما يجب أن يؤمن فيه مدعوا الديموقراطية و الحريات هو أن خط الحريات و خط الديموقراطية لا رجعة فيه.

لقد اختار الشعب الكويتي مجلس أمته ليكون ذا مظهر ديني قبلي، لنرض بهذا الاختيار، و لنتعايش مع آراء من يريد لغير الدين أن يسير الأمور، حتى ولو كان الشعب الكويتي ممسوخاً، فيتصرف بتحرر، و يختار بتدين، فتلك آراؤه التي ارتضاها لنفسه، وهو مسؤول عنها، ولا أحد له الحق بأن يصادر آراءه.

لو كان المجتمع متكوناً من رأي واحد، و ثقافة واحدة، و دين و مذهب واحد، لانتفت الحاجة لوجود العقل، و لكان الإنسان آلة تسير وفق ما يراه لها خالقها، و لتعرضنا لشبهة العدالة في الكون، أن لماذا نرى بعض الناس سعداء و آخرون تعساء، لماذا بعضهم أغنياء و آخرون يعيشون القهر و الظلم إذا كانوا جميعاً آلات مخلوقة لتعيش مصيراً واحداً؟ حتى القطاوة يتهاوشون و يختلفون، إذن من حق الانسان أن يعيش الاختلاف و يحدد مصيره الدنيوي و الأخروي بمحض إرادته.

فالمجتمع يحتوي الاختلاف في ذاته، و يتحرك متفاعلا مع اختلافات عناصره، و جاءت الديموقراطية كحل عقلي لاحتواء الاختلاف، و لأجل التنمية و التطوير و التقدم على الصعيد المادي لا على الصعيد الإنساني، الانسان هو الذي ينشئ الديموقراطية و يهيء أجواء الحرية لبلاده، لا القانون، القانون صيغة يتفق عليها المختلفون لتنظم اختلافهم بحيث لا يتصادم مع التقدم و التطور العام للمجتمع.

إذن، تطوير العقل الإنساني، و ثقافة القبول للآخر، و الاستماع لما يقول سيؤدي الى التعارف بين الثقافات، الخطوة التي تليها هي حوار الثقافات و الحضارات، و التي تليها هي وحدة الحضارات، لا كما يرى ذلك فوكوياما، بل بشكل أوسع و أشمل، بحيث يدور الانسان في فلك الثقافة الصحيحة و المنهج الصحيح، و ليس في ذلك تناقض مع مبادئ التعارف و الحوار و التعايش و تقبل الرأي الآخر، فتعدد الآراء لا يعني أن جميعها صحيحة، بل الأرجح صحة رأي واحد، صحة الحق، و الإنسان في سيره يجب أن يتجه نحو الحق و الحقيقة.

إن الحق واحد، لا يمكن أن يكون المتهم مجرما و بريئا في نفس الوقت، ولا يمكن أن يكون الحجاب واجبا و محرما في نفس المكان و الزمان، لا يمكن التناقض في في الحق، الحق لا يتجزأ، و الحقيقة واحدة في كل حالة، الرأي المثالي هو الذي يجب أن يسعى الإنسان ليأخذ به، لكن ليس له الحق أن يحتكره لنفسه، لا يذهب الانسان الا الى ما يراه هو الحق، لكن لا يرفض الآخرين و يرفض الاستماع لآراءهم لمجرد اعتقاده أنه هو الأصوب، لأن علم الانسان في نهاية الأمر ناقص و تجريدي، ولا يفسر جميع الظواهر ولا يتطلع على كل الأمور على حدة.

رفض الآخر، و احتكار الحقيقة لأنفسنا، و إغلاق آذاننا عن ما يقوله الآخرون سيؤدي بلا شك الى الجهل، إلى أن نكون جاهلين للرأي الآخر الذي قد يكون هو الحق و نحن لا نعلم، و الإنسان عدو ما يجهل، لذلك ينتج الصدام و الصراع بين الثقافات و الحضارات، إنه لعدم تقبل الرأي الآخر، هكذا كانت الأقوام التي ذهبت الى مزابل التاريخ الى غير رجعة، هكذا كان قوم نوح، لا يريدون استماع آياته، لذلك و بكل بساطة اتخذوا نوحاً عدواً لهم، و هكذا الكثير ممن نعرفهم، إنهم قوم نوح بيننا يعيشون، و في يوم ما سيغرقون، لا تحت أمواج البحار، بل تحت أطمار أحقادهم.

4 comments:

Anonymous said...

يعطيك العافية اخوي ابن سينا

بس اليوم كانت مباراة الكويت وسوريا، وشفت علي اللاعب علي مقصيد تذكرتك فقلت اسلم عليك

فيك شبه منه :)


اخوك عبدلله رمضان

Anonymous said...

شفت علي اللاعب = شفت اللاعب*

Ibn-Seena said...

سلمك الله و عافاك،
عبدالله ان شاء الله نلتقي قريبا،
...ممم و لمن تشوف بالاك يلعب متأكد انك ما تذكرني :)

Anonymous said...

عقب مباراة بالاك ضد اسبانيا طريت على بالي، مو لانه يشابهك،بس تدكرت تعليقك :)

نتشرف عزيزي بلقائك

عموما، تراني متابع لك، عسى ما شر؟ ما قمت تنزل مواضيع

Website counter