Monday 3 August 2009

القروية و الانفتاح


لو تخيلنا قرية صغيرة اقتصادها مغلق، يعيش أهلها على مواردهم الخاصة، لا يستوردون و لا يصدرون من و الى خارج أسوار القرية، يتبادل أهلها منتجاتهم المحلية ليغطوا احتياجاتهم العامة، عندها قد يعيشون حياة متعبة و و مرهقة، لكنها حياة سعيدة لا تتطلب الكثير من الاحتياجات.

لكن ما إن يذهب أحد تجار القرية ليجلب بضائعا من الخارج، حتى يطلع أهلها على احتياجات لم يكونوا قد فطنوا اليها، إذ يبدؤون بلبس أحذية من الجلد الايطالي بدلا من النعال، و يأكلون الصمون الفرنسي بدلا من خبز التنور، و ينشون الغترة بدلا من تركها مريضة و منهكة، و يكوون ثيابهم بعد غسلها بالغسالة التي لم يكونوا يعرفونها، و يأكلون الآيس كريم البارد بعد أن لم يكونوا يعرفون من البرد غير قرصة الشتاء.

و بعد أن تعرفوا على تلك البضائع و أخذوا باستخدامها، صارت بالنسبة لهم حاجات أساسية لا يمكنهم التنازل عنها، هذا اذا لم يبحثوا عن المزيد، لهذا صارت حياتهم أسلس و أسهل و أسرع، و صار بإمكان شباب القرية استثمار وقتهم بشكل أفضل لانتاج أكثر و أسرع.

كل هذا يحدث إذا اخترق أحد أهل القرية جدرها و حيطانها و تعرف على بضائع القرى و المدن المجاورة، و إلا لكان أسمى هدف لشاب في القرية هو حصوله على وجبة لذيذة في نهاية اليوم.

كلما ازدادت افق الانسان اتساعا كلما تعرف على حاجات جديدة أكبر و أفضل من حاجاته القديمة، و هنا شبهت القرية بمجتمعاتنا الصغيرة، فقد تكون تلك القرية دولة كالكويت مثلا، أو تيارا أو مذهبا أو عائلة.

كثير ممن أعرف لم يطلعوا على ما عند غيرهم، فأهدافهم لا تتجاوز أقصى ما يشاهدون في حياتهم، و قلما يشاهدون أمثلة ترقى لكي تكون أهدافا، الكثير من الناس مقتنع بما لديه أو راض بالأهداف التي رسمها لحياته و ذلك لأنه لم يشاهد غيره كيف رسم الأهداف و حققها.

كثيرون يعتقدون أن الكويت جميلة، لأنهم لم يشاهدواما وصل اليه الآخرون، كثيرون يعتقدون أن الكويتيين حلوين، لكن بالنظر الى غيرهم نجدهم في قمة الجكر، كثيرون يعتقدون أن نسبة السنة 85 في المئة من الشعب، و كثيرون يعتقدون أن الشيعة اكثر من 30 في المئة من الشعب، كثيرون يعتقدون أنهم و كبراءهم أكثر الناس علما و تدينا، كثيرون يعتقدون أنهم أكثر خبرة و ذكاء و حكمة.. كلهم لم يشاهدوا ما عند غيرهم.

القناعة كنز فيما يتعلق بالمادة، لكن الذين يركضون كحصان السباق، تغطى جوانب نظره لكي لا يلتفت و ينظر ما حوله بلا اختيار منه، أهدافه رسمتها طبيعة حياته التي لم يطلع على غيرها.


التمدن و التحضر الفكري يكون بالخبرة و بالانفتاح على الآخرين، لذلك أجد أن أصحاب الخبرة و أصحاب التجارب أكثر تقبلا للحوار و أفضل انفتاحا و فهما للآخرين، و بالتأكيد أكثر نجاحا أرقى أهدافا.

No comments:

Website counter