Thursday 7 August 2008

عندما تمتلك القوة




لو امتلك أحدنا مقاليد سلطة أقوى دولة في العالم، و لو انصاعت له مقادير أمور الدول الأخرى، هل سيمضي في سياسته وفقاً لمصالحه فقط؟ أم وفقاً لانسانيته؟ هل يراعي الأقليات و المستضعفين في العالم؟

إن الأمر لا يعدو أن يكون خياليا، و جميع الفروض التي فيه خيالية، لكننا قد نعيش تطبيقاتها يومياً، عندما يساعد أحدنا شخصاً في الشارع، أو زميلا في العمل أو الدراسة، أو مسناً بحاجة لأن يصعد درجاً، ألا تنبع هذه الحالة النبيلة من إنسانية خالصة لا تسعى لنيل أي فائدة غير الفائدة الروحية و النفسية؟

لقد أشبع العلماء هذا الموضوع بحثاً، و هو على المدى البعيد يؤثر في مسارات الدول و سياساتها تجاه شعوبها و اتجاه غيرها، مثلا، أجمل الجميع على ان امريكا ليست مؤسسة خيرية غزت العراق فقط لتخليص الشعوب المظلومة من نير الطاغية صدام، فهي لن تنفض يديها من غبار الحرب و من بعد كل المصاريف الهائلة التي دفعتها و ترحل الى قارتها سعيدة، بل لابد لها من تحقيق مصالح أكبر من المجهود الذي بذلته، إن لم تكن الإيرادات أكثر من المصروفات فستخرج خاسرة.

الجميع يقول هذا عن أمريكا و بكل صراحة، بل من السذاجة الاعتقاد بعكسه، و لربما قال الامريكان هذا و لا بأس به حسب رؤية العالم الآن، لكن لو افترضنا العراق دولة لا تؤثر بأي شكل من الأشكال علينا، و نحن دولة عظمى قوية و غنية، و صدام مازال يذيق شعبه القتل و الهوان، و نحن نملك القدرة على إزالته، و إزالته لن تعيد لنا نفعاً من أي ناحية ظاهرية على حسب موازين السياسة و الاقتصاد الحالي، لكنها ستكلفنا مجهوداً كبيرا و أموالاً كبيرة، فهل سنقدم على إزالته استجابة لنداء الانسانية؟

في الحالات الفردية قد لا نمتنع عن مساعدة الضعفاء، لكن للحالة الاجتماعية وجه آخر، فالمجتمع لا يتحرك كما يتحرك الفرد، و للمجتمع سايكولوجيته الخاصة به التي تختلف عن الفرد، علم النفس الاجتماعي باب مستقل.

للفرد روح يرضيها و يريحها مد العون للضعفاء، تشعر حينذاك بالطمأنينة و النشوة الإنسانية، لكن للمجتمع روح تختلف، روح المجتمع لا ترضى و لا ترتاح بهذه السهولة، إذ يجب تذكيرها بإنسانيتها دوما، و إلا نست، فهي سريعة النسيان، الأفراد يتذكرون تفاصيل الأحداث سريعا، أما المجتمعات فتنسى أهم الأحداث التي هزتها بعد فترة وجيزة.

المجتمعات أقدر على تحريك الأفراد، بينما الأفراد يحتاجون لطاقات كبيرة لتحريك المجتمعات، لذلك صار المجتمع و الناس محور الدين، الوعي الاجتماعي و التناسق الاجتماعي في الفكر سيؤدي الى قوة تبعث في الأفراد فيصبحون أكثر مطاوعة و أسرع حركة في المشاريع الكبيرة، لا سيما التحررية و الثورية و الدينية، لذلك كان خلق الوعي الانساني في المجتمع هو أفضل طريقة لشفاء المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان، لا سيما مشكلة البنغال في الكويت.

الجدل الآن سيكون جدل البيضة و الدجاجة، أيهما أول، لتحريك المجتمع نحو الوعي الانساني هل نبدأ بالأفراد؟ لكن الوعي الاجتماعي هو الذي يحرك الأفراد! على كل حال الطلائع المتقدمة سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اقتصادية أو دينية هي المسؤولة، و المسؤولية التي تقع على عاتقها كبيرة و مضنية، حتى المجتمعات الكبيرة تعول كثيرا على القيادات الواعية و الشخصيات المسؤولة، لكن كل ما ينبغي على تلك الشخصيات هو الإيمان بالعمل من أجل الناس، العمل مع الجماهير و من أجل الجماهير بلا حدود.

No comments:

Website counter