Thursday 2 October 2008

البحث عن الحب


حاجة الانسان الى الحب تبقى حالة معقدة يصعب تفسيرها، اختلاف حالات الحب و تفاوتها الكبير يجعلها عرضة للتشويش، إذ يصعب تفسير الكثير من الحالات و المظاهر التي تعتري الحب و المحبين، لكن ما لا غبار عليه هو أن الحب حاجة يتميز بها الانسان عن غيره، و الانسان بطبيعته محتاج على الإطلاق ممكن الوجود، فلا يضفي وجوده على دائرة الكون زاوية ولا يهبها الكثير من التغيير، لهذا كان التطور و التكامل الذاتي الهدف الأوحد للإنسان، و لذا يسعى الانسان المحتاج لملء فراغات احتياجه عن طريق الالتجاء الى الكمال و واهب الكمال.

فالحب مظهر من مظاهر الضعف الكثيرة في الانسان، ابداء هذا الحب يبدي ذلك الضعف في الكثير من الاحيان، و مسألة ابداء الضعف و ظهوره هذه تختلف عن مفهوم عزة النفس و ذلتها، فالضعف في هذا المجال هو احدى ماهيات الانسان التي لا مناص عنها، فهي وجه من الوجوه الخاصة بذات الانسان و لا تتأثر بالحوادث الخارجية، فظهور لضعف و الاحتياج في هذه الحالة يشبه طلب الطعام و الشراب الذين يمثلان سداً لحاجات مرتبطة بالذات البيولوجية للإنسان و لا دخل لمسألة العزة و المكانة الاجتماعية بالنسبة للطعام و الشراب و حاجات الجوع و العطش فهي مرتبطة ذاتياً بجسم الانسان، لكنها على أي حال تظهر الضعف و الحاجة في هذا الانسان، و تظهر مدى الحاجة الى سد النقائص و الوصول الى الكمالات.

مشكلة تفسير حاجة الحب عند الانسان هي الارتباط المباشر بينها و بين حاجات أخرى، و عادة تكون الاضطرابات و المشاكل النابعة من الحب نتيجة لاضطراب العلاقة بين تلك الحاجات، فكثيرا ما يرتبط الحب بالجنس، و من الفلاسفة و علماء النفس من جعل الحب نتيجة حتمية للحاجة الجنسية، و منهم من فسر الحب على انه السعي نحو الأمان، فالمحب يجد في محبوبه الطمأنينة و الأمان، و ذلك عن طريق الارتباط النفسي بين المحب و محبوبه بحيث تكون المشتركات كفيلة للعودة من التفكير بما تخبئه الحياة و ما في المستقبل من تحديات قد لا يرغب أحدنا بالتفكير فيها و قد لا يرغب ان يخوضها وحيداًً كما يمكن أن يتهيأ لنا، بينما وجود الطرف الآخر للحب يوفر لنا الاطمئنان من عدم ورود الوحدة في حياتنا، و التي تعد بحد ذاتها امراً مخيفاً ينفر الانسان منه بطبعه.

و من هنا قد يأتي التعبير القرآني عن الزواج بأنه سكن للزوجين، و تفسير هذا واضح عند التدبر بما يوفره السكن للإنسان من أمان و طمأنينة.

لذا فالحب بحد ذاته ليس أمراً أصيلاً، إنما هو مجموعة من الحاجات التي قد تجتمع في حالة إنسانية تؤدي إلى ذلك الشعور المتعارف بالانشداد و التدفق القلبي، و هكذا هو الارتباط بالرموز التاريخية أو بالشخصيات الوهمية و أبطال القصص الخيالية، فهؤلاء الأبطال يقومون بملء الفراغات الروحية لمحبيهم و يجعلون فيهم انشداداً معنوياً يوهم صاحبه بأنه يعيش حالة حب و عشق و وله، لكن الملاحظ أن التسمية تشابهت مع الحلات العملية للحب، فكلاهما يقال عنهما "حب"، لكن الواقع يختلف كثيراً عن الخيال و الحب العملي يختلف كثيراً عن الحب الخيالي، و حب الشريك يختلف عن حب الرمز، كلاهما سميا حباً، لكن باعتراف أصحابهما هما يختلفان.

ذلك الاختلاف يؤكد أن كلا الحالتين يشدان الانسان لملء فراغٍ معين فيه يختلف عن الآخر، فالحاجة الى الرمز تختلف عن الحاجة الى الشريك، كما يختلف حب الأرض عن حب الأشخاص على سبيل التشبيه و المثال، لكن ربما القصور في التعبير اللغوي أو القصور في الفهم النفسي و الفلسفي لهذه الحالات جمعتها كلمة الحب، بينما الحب واقعاً مجموعة حاجات انسانية تثير الخلط بين العقل و الشهوة في كثير من الأحيان فنشتبه بتسميتها حباً، فالحب ليس أمراً واقعاً أصيلاً، ولا هو قوة أو ملكة، بل هو تعبير لغوي خالص، هو حاجة و ضعف يبرزان ماهية الانسان و ذاته و حاجته للكمال و خالق الكمال و السكن و الأمان بالمعنى، و حاجته للجنس بالمادة، و تغطية هذه الحاجات و تلبيتها سيزيل التعبير عنها بالحب من على الألسن، و إذا ما ملئت تلك الحاجات عند أحدنا بأي طريقة من الطرق انتفت حالة الحب.

3 comments:

Anonymous said...

فطرس :

الحب يا رجل ! ... يطلق عليه أهل اللغة : الداء المخامر !

صديقي ... الجانب المادي للحب مرتبط بالجنس ؟ ما تعليقك على الحب العذري ؟

طيب ...
يقال أن الإنسان عندما تأتيه الشهوة في منامه لا يمكن أن تنتابه في محارمه فيحتلم في الأم والأخت ووو ...
مع أن الإنسان قد تربطه بالأم أشد حالات الحب ...
الارتباط المادي بين الحبيبين ليس شرطًا أن يرتبط بالجنس !
الابن يعانق أمه ويقبلها والأم تمسح على رأس طفلها وتلثم ثغره بلا شهوة !

مقالك لطيف يا رجل لكن أختلف معاك في النظرة للحب من هذه الجهة ...


أبو فلاح

Ibn-Seena said...

لالا يا بو فلاح

ما قلت ان الجانب المادي للحب دائم الارتباط بالجنس، فلربما كانت اغلب حالات الحب مرتبطة بالروح فقط لا المادة.
و لربما كان الحب في الجانب المادي مرتبطا بالجمال لا الجنس و الارتباط بالجمال قد يكون روحياً و قد يكون جنسياً و قد يكون غريزيا بلا جنس كحب الام لطفلها.

Anonymous said...

اي حجي أسلوبك شوي كبير علينا شنسوي ... يالله دام جذي خلاص ما نختلف على هالموضوع :)

Website counter