Friday 6 June 2008

العلم العمومي و العلم الخصوصي



دراسة العلوم تسير بطريقة هرمية، على عكس ما يتصوره الكثيرون، خصوصا دراسة التكنولوجيا و العلوم الحديثة، إذ يبدأ الشخص بتعلم العموميات و يتعمق فيها الى أن يتقنها، ثم يتجه شيئا فشيئا لدراسة الخصوصيات، فتكون الدراسة في مراحلها الأولى متنوعة و واسعة النطاق، لكنها تأخذ بالتقلص و الاتحاد عندما يرتفع المتدرج دراسياً.

هكذا هي هندسة الاتصالات، إذ يبدأ الطالب بدراسة المواد العامة في الفيزياء و الكهرباء و البرمجة، ثم يتدرج الى أن تصبح مواده متشابهة الى حد كبير، حتى إن أحدنا أحياناً سيستخدم نفس الكتب و المصادر لدراسة أغلب المواد العلمية.

و في المراحل الأخيرة من الدراسة تظهر للطالب التطبيقات العملية للمواد التي يدرسها، و ما يلبث حتى يقوم بعمل تلك التطبيقات بنفسه، و في نظم الاتصالات، و كغيرها من النظم الكهربائية و الالكترونية، تقوم الاجهزة و الأنظمة على معادلة واحدة تعبر عن جميع خصائص ذلك النظام أو الجهاز، تلك تسمى ... ربما دالة التحويل!

تعبر تلك المعادلة عن التصرف الذي سيقوم به الجهاز اذا تم إدخال معلومات اليه، التلفون مثلا، هل سيقوم بتكبير الصوت، ام تصفيته، ام تحويله الى كهرباء، ام سيقوم بتشويشه أو تحويله الى موجات، بل حتى ترجمته و التصرف معه بردود أفعال ذكية، في كل واحدة من هذه الاحتمالات يحتاج المهندس الى معادلة محددة، هكذا العلوم، تتجه نحو التعميم و التجريد لفهم الأشياء و نقل التصورات، لا يرى أحدنا كل شيء، إنما يرى أشاء تتشابه، فيصنفها و يجردها و ينقلها الى عالم لا تنوع فيه.

و الدارسون لهذه العلوم يعرفون حقيقة التجريد و التقريب و الاختصار، و يعرفون أن دقة النظرية لا تعني أن الجهاز المبني عليها يعمل، فالتقريب و تقبل الأخطاء البسيطة أمور أساسية لاستكمال التقدم و التكنولوجيا، و المضي قدما نحو المزيد من العلم و المعرفة و التطور و الانتاج.

كما تقوم هذه المعادلة وفقاً لتصرف الجهاز على التعبير عن محتويات هذا الجهاز و طريقة عمله، و يقوم الطالب بدراسة كيفية تطويع تلك المعادلة لتتناسب مع متطلبات الجهاز، كل هذا بشكل عام يعبر عن أغلب الأجهزة الالكترونية، لكن ما إن يصل الإنسان لقمة الهرم الدراسي حتى يقوم بمشاهدة العموميات من جديد، و يعيد النظر الى ظواهر الأمور، و يقوم بمعايشة الواقع بأدواته البسيطة، و يحسب حساب الآحاد، فالعلم الحقيقي بعيد عن التجريد، العلم الحقيقي يعرف خصوصيات جميع الأفراد و الأشياء، و يعرف مبدأها و منتهاها.

No comments:

Website counter