Wednesday 9 January 2008

اختـلاف مـبـدئـي





أظهر لي الاستجواب الأخير لوزيرة التربية نورية الصبيح مدى الاختلاف الجوهري بين الاطراف المتنازعة ، لقد أوليت هذا الاستجواب أهمية كبيرة لا كعادتي، ربما لوجودي في الكويت، مما أعطاني فرصة الحصول على أكبر قدر من المعلومات و من مصادر و وجهات نظر مختلفة، هنا أريد أن استرعي انتباه الكثير من الأخوة المتابعين للمدونات و للمواقع الالكترونية، و الذين ينهلون منها وجهات نظرهم ، ان المتتبع الحيادي للساحة الاجتماعية للكويت سيعرف تمام المعرفة أن المصدر الالكتروني لتشكيل وجهة النظر غير كاف بتاتاً.


معايشة الشارع الكويتي بأطيافه و توجهاته و دواوينه يرسخ الاعتقاد بأن المدونات و المواقع الالكترونية لا تمثل الا القليل من الآراء، بعضنا معذورون لعدم تمكنهم من معايشة الرأي العام الكويتي على اختلافه.


على كلٍ.. كانت مجرد ملاحظة..


أما المهم فهو الاختلاف الجوهري بين ما يمثله د. سعد الشريع و من يريد استمالته، و بين ما تمثله نورية الصبيح من شريحة كويتية. يضاف الى هذا الاختلاف الكثير من وجهات النظر غير الطافية على سطح هذا الاستجواب.


تابعت الاستجواب، و قرأت الكثير و حضرت بعض الندوات، و وجدت أن المشكلة هي محاولة جميع الاطراف إذابة الاختلاف فيما بينهم، إما أن يقوم الاسلاميون بادعاء عدم وجود وجهة النظر المقابلة، و اما ان يذوب التحالفيون في طريقة الاسلاميين من غير مسوغ.


أضرب على هذا مسألة الاختلاط كمثال، يرى الاسلاميون أن الاختلاط محرم بجميع صوره منذ رياض الاطفال حتى القبر، حتى قال بعضهم أن وجود الوزيرة هذه في التشكيلة يخالف الضوابط الاسلامية، لذا يسعون لنبذ الاختلاط في التعليم الخاص، و قد وضع الشريع صورا لطلبة في الجامعة الاسترالية الخاصة مدعيا مخالفتها لقانون منع الاختلاط.


لا أقول بأن التحالفيون يرون ان الوزيرة سعت جاهدة و لم تخالف منع الاختلاط، إنما أقول أنهم لا يرون في الاختلاط مشكلة من أساسها، و قد قال قائلهم النائب محمد الصقر بأن عدم اختلاط الطلبة الذكور مع الاناث في التعليم سيجعل النظرة المتبادلة بينهم نظرة جنسية بحتة، إن بعضا منا يدفع الاموال و يبذل الجهود التي هو في غنى عنها ليلحق أبناءه في التعليم الخاص، ولا يرغب أن يعزلهم بداعي حرمة الاختلاط.


مناقشة قضية الاختلاط قد انتهت أيامها، لكن -و كالكثير من قوانين هذا البلد الحزين- قننت من غير حلول، إذا اردنا منع الاختلاط لعدة دواع بعضها دينية و اخرى اجتماعية و نفسية، ينبغي علينا حل مشاكل الشباب التي ستنبع من عدم اختلاطهم في المستقبل، كمثال على هذه الحلول:

تشجيع الشباب على الزواج بزيادة القروض و المنح الاجتماعية و قروض السكن بما يتناسب و حاجات الأسرة الكريمة

زيادة الاندية الرياضية و الاجتماعية و دعمها و تقوية أثرها

تشجيع الشباب على التحصيل العلمي و الاعتماد على النفس لكسب العيش و ذلك بزيادة الدعم أو تقنينه كالدول المتقدمة التي تدفع رواتب للطلبة

دعم جمعيات النفع العام و تشجيع انشائها ماديا و معنويا


كل هذا و غيره سيملأ وقت الشباب الكويتي بما هو أهم بكثير من التفكير فقط بالجنس الآخر، لكن على كل تم صرف النظر عن تداعيات القانون من أجل عيون فهم البعض للإسلام، و للأسف أصبحت قضية الاختلاط محرمة بديهيا، كأن يعرض النائب الشريع صورا فيها أمثلة على الاختلاط و يستثير بها همم النواب و الرأي العام الكويتي لمحاسبة الوزيرة، و ذلك من دون مناقشة صحة أو خطأهذا الأمر من الأساس، كقضية الرحلات الخارجية المختلطة التي قام بها الطلبة، يدعي الشريع أن هذه الرحلات مرفوضة تماما و يدعي الوصاية على الأمة فيما ترد الوزيرة بأن هذه الرحلة كانت بإذن من أولياء أمور الطلبة و الطالبات، فوجهة النظر المقابلة الرافضة لمنع الاختلاط موجودة، لكنها خاطئة و ينبغي أن نكون الأوصياء عليها في فكر الشريع.


كذلك قضية الكتب الجنسية في معرض الكتاب للطالبات، إذ رأى الكثيرون أنها جريمة! بينما الواقعيون يرون أن الكتب عرضت لطالبات راشدات يفترض معرفتهن للغث من السمين، لكن مبدأ الوصاية مفروض هنا، و تذوب الوزيرة في هذا المبدأ و تقول أنها اتخذت اجراءات منع الكتب و منع الاختلاط.


لا يكون التعايش الديموقراطي بالذوبان و ادعاء عدم الاختلاف، الصحيح هو الاختلاف و الحرية، لا المنع، و لكل إرادته و اختياره.




هامش

صالح عاشور كان مميزا في الجلسة، على الرغم من استغرابي من بعض مواقفه خصوصا في أول حديثه، لكن الحق يقال بأنه مثل الرأي الثالث الذي تبناه و د حسن جوهر خير تمثيل، إذ أنهم يرون محاسبة الوزيرة، لكن لا بهذا الاستجواب التافه الذي أعطى الصبيح زخما تستطيع به الرد على مستجوبها، لم تكن قوية.. كان استجوابها ضعيفا.

No comments:

Website counter