تتميز قضية (الإنسانية) أنها من أهم المنطلقات التي تسير عليها القوانين في الحياة، السماوية منها أو الوضعية، فيكمننا جمع الأفكار الرئيسية لكل فكرة أو حركة خيرة مثل الحرية، المساواة ، الأخلاق الحسنة، العزة و العلم تحت إطار الإنسانية و مراعاتها، فالعاقل يقدر ما للإنسان من قيمة رفيعة، و مشاعر عميقة تتأثر بموقفها و علاقاتها بما حولها.
فالذي نعنيه بالإنسانية هي تلك القيمة التي من خلالها أضحى الإنسان أهم المخلوقات، فهو المخير ذو الإرادة في هذه الدنيا، المحاسب في الآخرة على اختياره، و الذي أعطي العقل فزان به نفسه.
و قد أعطى الاسلام هذه القيمة للإنسان لكونه انسان و نبه عليها إذ قال: (و لقد كرمنا بني آدم)، و مظاهر هذا التكريم متجلية بكل وضوح.
فالانسان عاقل يحكم على الامور بكل حرية و إرادة، فيدرك أن لابد لهذه الحياة من نهاية و انتقال الى حياة أخرى يجازى فيها على اختياره الحسن أحسن الجزاء، و يعاقب على اختياره السيء، حيث طالما شاهدنا من حولنا من يختار الاختيار السيء فيعتدي و يظلم لكنه يعيش حياته كريما مرفها بغير عقاب على ظلمه و جوره، و عكس الحال بالنسبة لصاحب الاختيار الحسن.
و لابد لهذه الحياة الأخرى ممن يطبق هذه العدالة بقوة و قدرة لا مجال لمنازعتها الحكم، وهو الله سبحانه و تعالى.
كل هذا يمر على الانسان وهو لا يدرك تلك القيمة المعطاة له، بل حتى الدين إنما هو ترغيب الانسان لحسن الاختيار و لا إكراه في أمره، و هنا لابد من ملاحظة فرق جوهري بين صاحب الاختيار الحسن و الاختيار السيء، فصاحب الاختيار الحسن يصبح ناضج الانسانية بتكامله و تناسقه بين العقل و الموقف العملي، على عكس صاحب الاختيار السيء الذي قدم رغبات بدنه و هواه -كالحيوان الذي يمشي على أربع-، قدمها على حكم عقله الذي به نال الحرية في الاختير، فاصبح فاقدا لانسانيته، منميا للجانب الحيواني من نفسه.
كل هذه الحرية و كل هذا الاحترام لعقل الانسان لابد أن يقدر، و يعطى أهميته المطلوبة، فإن انشغال أحدنا بالتوافه الحيوانية ينسيه السؤال الأهم وهو : لم أنا هنا في هذه الحياة؟ إذ يجب علينا جميعا أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال، فمن غير المعقول أن نوجد لأجل أن نموت و ننتهي، إنما لنتكامل و ننمو بإنسانيتنا الى أعلى المراتب.
No comments:
Post a Comment