Wednesday 14 January 2009

إلى المؤمنين و منابرهم




ما إن يحل موسم المحرم حتى تثور في ذهني قضية المنابر الحسينية و شعائرها، فهي حالة مميزة جداً و بارزة في حياة الشيعة على وجه الخصوص، و قضية المنابر غير المؤهلة تشكل لي هاجساً عصيباً يبقى أثره علي كثيراً، في أغلب الأحيان أكتم غيظي و أبلع شكواي لكنني أبوح بما لدي صريحاً للمقربين.

أشكو كثيراً من المنابر غير المؤهلة، و هذا حكم نهائي لا يقبل التراجع بالنسبة لي، فأنا و بحمدالله أملك الرغبة في التغيير و في تجربة الجديد من الخطباء و ما بموازاتهم، و قد أعطيت الكثير من أولئك الخطباء الفرصة تلو الأخرى لعلهم يغيرون رأيي فيهم، لعلني أنا المخطئ و كل الجماهير التي تحت منابرهم هي المصحة، لكنني لم أستطع أن أجبر عقلي قسراً على حكم هو يرفضه.

فما هي المنابر غير المؤهلة؟ و التي مع كل أسف تمتلك جمهوراً عريضاً؟

هي المنابر التي تخرج قضية سيد الشهداء عليه السلام من محتواها، هي التي تغير من شكل الحركة الحسينية و تمسخها ثم تبثها مغلفة بوجه آخر، و لا أبالغ إن قلت أن لها من يدعمها و ان لها امتدادها بين التنظيمات الدينية.

عناصر عدة أسهمت في جعل تلك المنابر غير مؤهلة،و هي مترابطة بعنواين متفرقة:

الخطاب اللا واقعي للدين


و هذا ما تعج به الكثير من منابرنا، و الغريب أن الكثير من المؤمنين و المثقفين لا يتورعون عن دعمها و حضورها بكل قوة، يغلب على خطبائها الطابع العادي من المعرفة، فالكثير ممن يحضر هؤلاء الخطباء يفوقونهم علما و معرفة حتى بالدين، لكنهم امتهنوا الخطابة و صارت قضايا الدين فاكهتهم و أرضهم الغناء لذكر الروايات التي لا نفهمها و لا هم يفهمونها.

مشكلة هؤلاء انهم في الكثير من الأحيان يستندون على روايات صحيحة و أمور ثابتة في تفسير بعض الاحداث التاريخية التي مر بها أهل البيت عليهم السلام، و يرمون بتفسيرهم الغيبي بكل شاردة و واردة سواء خصت الدين أم لا. كل هذا يؤدي الى تخدير الناس و جعل دينهم و ثورتهم الحسينية الخالدة أفيونا لهم و مهدئاً لأعصابهم حتى كتب أحدهم في إحدى الصحف أن البكاء الذي نتج عن ذكر سيد الشهداء قد ساعد المؤمنين على الهدوء و الاستقرار النفسي فها نحن نراهم ينامون هانئين!

أنا لا أقول عنهم هذا إلا من تجربة عايشتها، أراهم يقفزون الى التفسير المستند على الغيب و الولاية التكوينية و المقامات المتصاعدة و المتنازلة حتى من غير شرح واف، و أملك العديد من الأمثلة منها أن كيف صار ابليس رجيما خارجا من رحمة الله من معصية واحدة بعد عبادة آلاف السنين؟ نحن قد لا نعرف، و قد تكون هناك بعض التفاسير و الشروح الغيبية في هذه المسألة، لكن التفسير الواقعي و تتبع الآيات يقول أن عبادته كلها لم تكن خالصة لله تعالى بل كان ابليس يرمي من ورائها نيل مرتبة من المراتب، فلما أن خلق الله تعالى آدم و أمر ابليس بالسجود له رفض ذلك، و كان رفضه علامة عدم الاخلاص، ما الفائدة من ان ينبري أحدهم لذكر التفسير الغيبي الذي لا يفيد الجمهور الا للتسمر خلف المنبر؟ هذا على فرض ان التفسير الغيبي واقعي و مستند على روايات و آيات واضحة، فإن لم يكن كذلك فالمصيبة أعظم، و قس على ذلك الكثير من الاحداث التاريخية المفصلية مثل واقعة عاشوراء.

إن التفسير الواقعي يعطي للمستمعين الحركة و يبعث فيهم فهم الحوادث القرآنية و الحوادث المرتبطة بأهل البيت عليهم السلام بحيث تكون دافعاً لتحقيق مطالب الدين لا قصصا تقضى بها أوقات المستمعين و تحرك مشاعرهم بها. و قد أشرت إشارة سريعة الى هذا النوع من التفسير في موضوع سابق عند الحديث عن الطواف حول الكعبة.

و هذا يقودنا للعنصر الثاني وهو:

اخراج قضية عاشوراء من واقع الحياة

و هي أخطر الموجات الحديثة، البكاء لمجرد البكاء، و الاحياء لمجرد الاحياء، و قشرية التعامل مع قضية هي أم القضايا كثورة الامام الحسين عليه السلام، إن الاستثناءات التي صاحبت قضية الامام الحسين عليه السلام، و الاستثناءات التي تدور احياء شعائر هذه القضية في فلكها لم تأت اعتباطاً، فالعقل و المنطق يشيران الى قضايا مهمة في واقع حياة الأمم التي تحيي عاشوراء يجب أن تثار و يلتفت اليها، فهل من المعقول أن تكون ثورة سيد الشهداء عليه السلام تنبع من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ثم اننا ننعزل عن الناس و نتذاكر الطرائف و القصص فوق المنابر و تحتها؟

هل من المعقول أن يتحرك سيد الشهداء الى الكوفة نصرة للمظلومين الذين استنجدوا به، و رفضا للطاغية يزيد و حكمه الجائر ثم اننا لا نذكر دماء المظلومين في فلسطين و غيرها؟ بداعي ان في الحسينية لا نذكر غير أهل البيت عليهم السلام! و هل أهل البيت يرضون بذلك؟ و عين ذلك ينطبق على جميع الشعائر المعروفة مثل اللطم و الشعر.

قد يقول أحدهم أن الناس يختلفون، منهم العالم و منهم الجاهل و منهم العارف و المثقف و منهم المحتاج الى التذكرة و الموعظة، لكن هل هذا يسوغ لهم جميعاً أن يحضروا المجالس التي لا تحاكي الواقع ولا تحرك النفوس و لا تستثير الهمم ولا توقظ الأذهان؟ فإلى متى يبقى أصحاب الضمور الذهني على ضمورهم؟ و إلى متى يبقى المتقاعسون على تقاعسهم؟

في هذا الزمن لا أجد الا القليل ممن يلم شمل كربلاء للناس، و لكي لا أخرج من هذا الموضوع خالي الوفاض أنصح بالاستماع الى الشيخ الدكتور فاضل المالكي لعل في خطاباته ما يوقظ حرارة النهضة الحسينية، و هنا قد يستشكل علي أحدهم أنه قد يصير الى ما يشابه من تنعتهم بالمنابر غير المؤهلة، نعم فأنا لا اعلم الغيب و الى ذلك الحين انا انصح به
.

2 comments:

Unknown said...

البكاء لمجرد البكاء فيه ثواب و أجر كما جاء بالإحاديث التي نسمعها.

هذا عزائي الوحيد في الذهاب إلى الحسينيات ، نعم الخطباء غير جيدين و لكن في النهاية بركة و ثواب.

هل تستطيع إنكار هذه الأحاديث؟

Ibn-Seena said...

مشكلتنا الكبيرة هي التشدق بالأحاديث، ولا أقصدك هنا عزيزي أحمد، لكن الكثيرين لا يفهمونا إياها إلا كمشاريع تخدير و أفيون لأمتنا.

نعم دموعنا على سيد الشهداء مرحومة بإذن الله، لكن إن لم تكن دافعاً للعمل على ضوء منهجه الشريف المحرك للشعوب و الناهض لهممهم و عزائمهم فالأحرى إعادة النظر اليها.

فإن الكثير من الأحكام و الشعائر ذات أهداف واضحة ندركها، ليست أهداف غيبية، و منها الشعائر الحسينية الشريفة، معرفة دوافع هذه الشعائر فكرة أساسية.

عاد اسمحلنا على الرد المتأخر!

Website counter